صدر كتاب «الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية» في سبعينيات القرن الماضي، لكنه اكتسب سمعة إضافية حين أهداه الرئيس الفنزويلي الراحل هيجو شافيز إلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في إشارة من شافيز إلى تأكيد «الصفة الإمبريالية» للولايات المتحدة الأميركية ونظامها السياسي الاقتصادي، وإلى حجم الاستغلال والانتهاك اللذين مارستهما ضد دول أميركا اللاتينية وشعوبها على مدى عقود طويلة من التاريخ الحديث. ويعد الكتاب توثيقاً هاماً لتاريخ أميركا اللاتينية، والذي تعرضت خلاله للاحتلال الإسباني بداية من القرن السادس عشر، كما يمثل شرحاً للطريقة التي كانت تذهب بها خيرات بلدان هذه القارة البكر إلى أوروبا دون مقابل يذكر، بل كيف كانت تتم إبادة سكانها لصالح الرجل الأبيض! ويخبرنا إدوارد جاليانو، مؤلف الكتاب، كيف عاث الأوروبي فساداً وارتكب مذابح واسعة ضد شعوب أميركا اللاتينية الغنية بثرواتها الطبيعية، لاسيما من الذهب والفضة والمعادن الأخرى، علاوة على المزروعات والأخشاب وأنواع المواد الأولية الضرورية لتشغيل المصانع والصناعات الأوروبية.. وذلك بكميات مهولة فاقت الخيال، الأمر الذي كان من شأنه أن يشكل قاعدة لنهوض الدول الأوروبية ولتطوير صناعاتها وإغناء مجتمعاتها، كما كان في الوقت ذاته سبباً لإبقاء أميركا اللاتينية في قاع الفقر والعوز والمرض والتبعية الاقتصادية. لذلك لا غرابة إن تعاقب المحتلون الأوروبيون على هذه القارة، حرباً أو سلماً، بدءاً من الاحتلال الإسباني مروراً بالبرتغالي والهولندي والبريطاني، وصولا إلى الاحتلال الأميركي الشمالي. وقد رزحت قارة أميركا اللاتينية لقرون طويلة تحت وطأة النهب الأجنبي وكانت ضحية لإدارة مواردها من قبل جماعات أرسلتها حكومات الدول الأوروبية بغرض قتل شعب أعزل وسرقة الثروات الطبيعية لبلاده. وإن لم يأت الكتاب بجديد فيما يخص الاستعمار الأوروبي لأميركا اللاتينية، غير أنه يوثق بالأرقام عدد وضحايا المذابح التي مورست ضد بلدان هذه القارة ذات الخيرات والموارد العظيمة. ويؤكد مضمون كتاب «الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية» على النزعة الاستعمارية التي ترعرعت ونمت لدى الأوروبيين ولم تنحسر إلى اليوم، رغم كل الادعاءات حول حقوق الإنسان والاهتمام برعايتها وبحرية الأفراد والشعوب.. لكن الأوروبي ما زال يمارس تمييزاً ضد الإنسان غير الأبيض، وما زال الإنسان الأبيض على الخصوص هو المحظي وصاحب الحقوق غير القابلة للمس، خلافاً لكل ألوان البشر التي لا تشبه لون بشرته ولا لون عيونه! هذه الشرايين المفتوحة تفتح أعين وعينا ككتّاب وكمثقفين على تدخل الغربي الأبيض في شؤن كثير من بلداننا خلف ستار الغيرة على حقوق الإنسان، أو عبر اختراع جماعات داعشية ترهب وتخرب الأوطان، لتظل مجتمعات ودول المنطقة في دوامة الاحتراب الداخلي والاستغلال الخارجي حتى آخر رمق لها. ومن المهم جداً أن نلاحظ في هذا المقام أن عدوى شرايين أميركا اللاتينية المفتوحة، قد امتدت أيضاً إلى العالم العربي ليتحول إلى مواقع يسهل استغلالها ويتيسر إشغال شعوبها وإنهاكها بانشغالات وصراعات مفتعلة، لصالح الإنسان الأوروبي الأبيض ولضمان انتصاره القائم على ممارسات هي في كثير من الحالات أقرب إلى البربرية منها إلى التحضر.