حمي وطيس الخطاب الأميركي ضد إيران في الآونة الأخيرة في الوقت الذي لانت حبال حنجرة ترامب تجاه كوريا الشمالية، وليس هناك رابط جيني بين البلدين سوى النووي. إيران منذ جهاد الأفغان في أوائل السبعينيات مع الروس ومن بعد هزيمتهم، انقلب ظهر المجن على الأفغان أنفسهم في حرب أهلية طاحنة مستمرة حتى حان وقت «طالبان». وقد تداخلت حراب «القاعدة» في سنان «الإخوان»، ولعبت إيران دور المخرج والراعي الرسمي لهذا «الجهاد» الذي «تحول إلى إرهاب» ضربت جذوره في أطناب العالم. وبعد أن أطل «داعش» برأسه الشيطاني على عالم الإرهاب بجرائم تتبرأ شياطين الجن من ارتكابها، هب العالم لإنقاذ البشرية من شرور آثامها بتحالف دولي قوامه قرابة سبعين دولة اجتثتهم من الأراضي التي ماجت من تحت أقدامهم. وكانت إيران في مقدمة المحاربين مع التحالف والداعمين والراعين لذات الإرهاب في تحالف آخر مع «الحوثيين» الذين يسومون اليمنيين سوء العذاب. إيران تتحالف مع العالم الظاهر باسم محاربة الإرهاب والتطرف، وتتخالف مع ذات المحيط في آن، والعالم لم يفكر ولو مرة في تشكيل تحالف آخر لدحر إرهاب دولة أمام إرهاب تنظيم لم يسمح له العالم التحول إلى دولة باسم خلافة زائفة لم تنطلي على أحد. والآن جاء دور الإرهاب النووي الذي يراد الحد منه، وتقليم أظفاره المدمرة قبل وصول التخصيب إلى درجة الانفجار أو مرحلة الفلتان. الذي يتعمق في تفاصيل التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأميركية، يشعر وكأن أميركا قامت من غفوتها على اتفاقية نووية لكبح جماح طموح إيران النووي، وقد سهر العالم «1 + 5»، ويداه على قلبه يترقب لقرابة عشر سنوات جرت خلالها مياه آسنة وأخرى ملوثة، إلى أن وصلت لمرحلة التنقية النسبية ساعة التوقيع على الاتفاقية العشرية، فانفرجت لحظتها أسارير العالم أجمع، وزارت الوفود الأوروبية تلو الأخرى إيران للحصول على نصيبها من كعكة هذا الإنجاز التاريخي مع دولة صلبة في التعامل السياسي. ذهب أوباما بما حمل وجاء ترامب بمغامراته السياسية منذ أول يوم تولى فيه الرئاسة، وكان الانسحاب من الاتفاقية وتمزيقها من أولى أولوياته فانتظر خمسة أشهر حتى فعلها. ولقد سرت مفاعيل الانسحاب الأحادي في العالم سريان النار في الهشيم، وهو المفعول ذاته الذي سرى أثناء التوقيع الأول، ولكن سريان برد وسلام. ترى ما الذي تغير في هذه الفترة الوجيزة من عمر الاتفاقية، التي لم يصدق العالم بأنه يمكن إنجازها من الأساس، نظراً لسلسلة العقبات التي حالت دون الانتهاء منها لسنوات. السبب الرئيس يعود إلى تغيرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل حتى في آسيا وأميركا اللاتينية ومع أوروبا كذلك. والسبب الجوهري أيضاً يتعلق بامتداد النفوذ الإيراني أكثر بالتدخل في شؤون الدول الأخرى وبعيون وقحة وجرأة تجاوزت كل الأعراف الدولية والمواثيق التي تنص على عدم المساس بسيادة الدول مهما بلغت الخلافات حدتها، فالحوار هو الخيار، وليس الصواريخ العابرة حدود الدول في إعلان حرب يومية من طرف واحد. يبدو أن العالم سيعود إلى المربع الأول في التعامل مع مشاكل إيران في المنطقة وفق منطق رمادي آخر، بحيث لا يقترب من التحالف ضد «داعش»، ولا يخترق الأهمية الاستراتيجية لإيران رأي بعض عتاولة صناع السياسة في أميركا التي الرئيس فيها واحد من أطراف شتى لهم اليد الطولى على مُتَّخِذ القرار وعلى رأسهم اللوبي الصهيوني ومراكز الدراسات الإستراتيجية المعروفة في المجتمع الأميركي الذي لا يعرف العشوائية في حراكه حول العالم. بعض هذه المراكز تلمح إلى إمكانية شن حرب على إيران من نوافذها الخلفية وبمشاركة بعض الدول العربية بجيوش ومعدات عسكرية على الأرض، سواء في سوريا أو اليمن أو لبنان والعراق، ولكن دون أن تمس طهران بأذى. ونعتقد بأن مرحلة المواجهة المباشرة مع إيران، وبموافقة بعض الدول العربية، تعد أمراً لا تحسم عواقبه المستقبلية، خاصة إذا دخلت إسرائيل على هذا الخط، ساعتها من يحارب من؟!