شهر رمضان لم يعد في تاريخ العرب الحديث شهراً للصوم والبركات فحسب، بل أصبح أيضاً شهراً لاسترجاع ذكرى انتصار العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر 1973. وفي هذا العام أقام الجيش المصري احتفالاته كالعادة بهذه الذكرى الغالية ومن ضمن ترتيبات الاحتفال حضر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومعه كبار رجال الدولة صلاةَ يوم الجمعة الماضي وقام الدكتور أسامة الأزهري مستشار الرئيس للشؤون الدينية بإلقاء الخِطبَة. كان من الطبيعي أن ترد أسماء ثلاثي أسلافنا العظماء في صدر الخِطبَة، وهم المغفور لهم الرئيس محمد أنور السادات والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود. وجّه الخطيب تحية خالدة للرئيس السادات الذي قاد المعركة العسكرية ووجه رسالة عرفان وامتنان لكل من الملك فيصل والشيخ زايد للأدوار الهامة والحاسمة التي قاما بها. لا أحسب أن الأجيال العربية المتتالية ستنسى ما فعله هؤلاء القادة العظام ليحرروا أرض العرب التي سلبتها إسرائيل في حرب الخامس من يونيو 1967. لن تنسى الأجيال خطة الخداع الاستراتيجي العبقرية التي أشرف على وضعها بنفسه الرئيس السادات وقادها مع قادة الجيش والمخابرات في مصر، ليزرع مفهوماً راسخاً في العقل الجماعي لقادة إسرائيل السياسيين بزعامة رئيسة الوزراء جولدا مائير ولقادة جيشها وفي مقدمتهم وزير الدفاع موشيه ديان ورئيس هيئة الأركان دافيد إلعازار ولقادة المخابرات الإسرائيلية وعلى رأسهم تسيفى زامير رئيس جهاز جمع المعلومات الخارجية (الموساد) وإلياهو زاعيرا قائد جهاز المخابرات العسكرية الذي كان مسؤولا عن إعداد التقديرات حول نوايا الهجوم العربي. كان المفهوم الذي تم زرعه في عقول كل هؤلاء، كما كشفت التحقيقات التي أجرتها لجنة أجرانات حول أسباب التقصير، هو أن مصر لن تجرؤ على شن هجوم ما لم تمتلك وسائل الهجوم الجوي التي تمكنها من مهاجمة المطارات العسكرية الإسرائيلية في العمق الإسرائيلي. لقد قام الرئيس السادات بتعزيز هذا المفهوم كما قالت جولدا مائير في محاضر التحقيقات التي أجرتها معها لجنة التحقيق عندما استأذنت اللجنة في أن توجه تحية تقدير لبراعة ودهاء الرئيس المصري الذي «أقنعنا بأنه شخصية غير جادة وبأنه من المستحيل عليه أن يصدر أمراً لجيشه بالهجوم». أيضاً لن تنسى أجيالنا المتعاقبة ملحمتين قام بهما كل من المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود والمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، في هذه الحرب وخلال فترة الإعداد للمعركة، وقد تمثلت في جهود ضخمة قام بها الزعيمان لتعويض النقص في الأسلحة والعتاد العسكري للجيش المصري فضلا، عن إمدادات المال التي كانت ضرورية لاستكمال الاستعداد العسكري، وهي جهود وإمدادات ذكرها بعرفان جميع القادة المصريين الذين شاركوا في التحضير لحرب العاشر من رمضان. أما الملحمة الثانية فجاءت بعد أن قامت الولايات المتحدة بمد الجسر الجوى الذي حمل عتاداً حديثاً ومتطوعين لمساندة جيش الحرب الإسرائيلي أثناء المعركة، حيث قام الزعيمان بقطع إمدادات النفط عن الولايات المتحدة وعن الدول التي انحازت للاحتلال الإسرائيلي. إن ذكرى هؤلاء القادة العرب الثلاثة الذين ضربوا المثل في التكاتف ووحدة الصف العربي في معركة العاشر من رمضان، ستبقى قدوة للأجيال العربية المقبلة، تقتدى بها في التلاحم لحماية الأرض العربية من أي غاز محتل.