من المبكر التحدث بشكل مؤكد، في هذا الوقت، حول ما إذا كانت القمة المفاجئة بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس كوريا الشمالية «كيم جونج أون» ستنعقد في سنغافورة، كما كان مقرراً لها في يوم الثاني عشر من شهر يونيو المقبل، أم أنها لن تنعقد أصلاً. فالقمة أُعلنت بشكل مفاجئ، ثم أُلغيت بشكل مفاجئ أيضاً، ثم أُعلن عن استئناف الإعداد لها من قبل الرئيسين المتقلبين. لكن الواضح إلى الآن هو أن أياً من الرئيسين لم يدل بأية تصريحات واضحة حول توقعاتهما من وراء انعقاد القمة التي قد تلتئم على عجل. وتشتمل المواقف المبدئية المعلنة على مطلب أميركي رئيسي، يتمثل في أن تفكك كوريا الشمالية برنامجها النووي وتتخلص من برنامجها الصاروخي بشكل نهائي، وأن تُخضع مواقعها ومنشآتها العسكرية للتفتيش الدولي. وفي المُقابل، تريد كوريا الشمالية «شبه جزيرة كورية منزوعة الأسلحة النووية»، وتؤكد على ضرورة سحب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية كشرط غير قابل للتفاوض. وإذا لم يتم الاتفاق على أي من هذه الأهداف في اجتماع سنغافورة، فسيتطلب الأمر شهوراً طويلة، إن لم تكن سنوات من المفاوضات التفصيلية. وسيكون من الضروري أيضاً إشراك الصين وكوريا الجنوبية في هذه العملية التفاوضية إذا ما كانت هناك أية آمال في التوصل إلى مصالحة تاريخية، ومن ثم نهاية فعلية للحرب الكورية التي دارت خلال الفترة من 1950 إلى 1953. وثمة أسباب كثيرة تدعو إلى التشاؤم بشأن فرص نجاح القمة. فمن الصعب تصور أية ظروف ستتخلى في ظلها كوريا الشمالية عن برنامجها النووي ما لم تمنحها الصين إنذاراً نهائياً. ولا يمكن لترامب قبول بقاء قدرات نووية في كوريا الشمالية. وفي ظل تلك الظروف سيخرج «كيم جونج أون» على الأرجح فائزاً من القمة، لأنه سيكون قد التقى الرئيس الأميركي بناءً على شروط متساوية، ولم يُذعن للضغوط أو الحوافز الأميركية. وفي حالة إيران، يبدو الموقف الأميركي أكثر وضوحاً، وقد كشف عنه وزير الخارجية الأميركي الجديد «مايكل بومبيو» في خطاب له في الحادي والعشرين من مايو المنصرم في «هيريتدج فونديشن» بواشنطن. وقدم «بومبيو» قائمة طويلة بالأسباب التي جعلت ترامب يقرر في التاسع من الشهر نفسه انسحاب الولايات المتحدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة»؛ أي الاتفاق النووي الإيراني الموقع في عام 2015، مؤكداً أن ذلك الاتفاق كان مرعباً وسيئاً للولايات المتحدة وحلفائها. وعلى الرغم من أن «بومبيو» لم يتحدث عن التقارير التي تُعارض موقف الإدارة الأميركية، فإنه شرح بالتفصيل الخطوات الـ12 التي يتعين على إيران اتخاذها بما يتفق مع المطالب الأميركية، ومن ثم تكون في وضع يمكّنها من استعادة العلاقات وتفادي العقوبات الأميركية. بيد أنه من المستبعد أن يذعن النظام الإيراني لتلك المطالب كافة. وهي مطالب تتضمن أن تطلع طهرانُ الوكالةَ الدولية للطاقة الذرية على سجلها الكامل الخاص بأنشطتها السابقة الرامية للحصول على أسلحة نووية، والتخلي عن تلك الأنشطة بصورة دائمة. كما يتحتم عليها أيضاً بموجب تلك المطالب أن تتوقف عن تخصيب اليورانيوم وعدم السعي أبداً لإعادة معالجة البولوتونيوم. ويجب على إيران أن تقدم للوكالة الدولية للطاقة الذرية حق دخول مفتوح إلى جميع المواقع في أنحاء البلاد، كما ينبغي عليها التوقف عن تطوير أية صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. وعلاوة على ذلك، لا بد أن تُطلق سراح السجناء من مواطني الولايات المتحدة والدول الحليفة لها كافة، وأن توقف الدعم للجماعات الإرهابية في أنحاء الشرق الأوسط، ومنها ميليشات «حزب الله» في لبنان والحوثي في اليمن. وعليها أيضاً أن تسحب القوات الخاضعة لقيادة إيرانية من سوريا، وأن تنهي دعمها لحركة «طالبان» في أفغانستان، وأن تتوقف توقفاً تاماً عن تهديد جيرانها وعن دعم الإرهابيين في أرجاء العالم. وفي حين أن بعض تلك المطالب المدرجة على قائمة «بومبيو» تتقاسمها أيضاً الدول التي تعارض سلوك إيران إقليمياً، فإن وزير الخارجية الأميركي لم يكشف بما سيوصي إذا تم رفض معظم مطالبه من قبل الحكومة الإيرانية. ويتصور البعض أنه بذلك يمهد الطريق أمام اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران، بينما يعتقد آخرون أن قرار الرفض الأميركي للاتفاق النووي، ومعه قائمة مطالب «بومبيو»، يشكلان دعوة حقيقية لتغيير النظام في طهران. لكن ما لم يتم إحراز تقدم على صعيد الاتفاق مع كوريا الشمالية، وكبح جماح إيران، فإن الانتشار النووي سيستمر، وربما تجد الولايات المتحدة نفسها غارقة في حرب أخرى. ومثل ذلك التصرف لم يُدرج أبداً على أجندة معظم المؤيدين الموالين لترامب.