«وافقنا على العمل مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا لإنهاء الصراع في اليمن بسبب الكارثة الإنسانية هناك». بهذه العبارة التي قالها عباس عراقجي، مساعد وزير الخارجية الإيراني، يدخل اليمن بل والعالم العربي مرحلة جديدة من الخطورة التي تلوح في الأفق، ويأتي السؤال معها: أين نحن مما يجري؟ في هذا المقال نسير مع القارئ الكريم لتبيان ذلك الخطر المبطن، والذي تنكشف أبعاده وتأثيراته السلبية بمجرد النظر إلى نماذج ماثلة أمامنا. لطالما ظل النظام الإيراني يبحث عن موطئ قدم له في عالمنا العربي، بهدف تحقيق مزيد من النفوذ في المنطقة انطلاقاً من اعتباره لذلك النفوذ امتداد طبيعياً له. وبعد تمكن النظام الإيراني من تحقيق ذلك في لبنان ممثلاً في ميليشيا «حزب الله»، كان يسعى بشكل متزامن للبحث عن نماذج أخرى في المنطقة. من هنا بات الحوثيون هدفاً مهماً للنظام الإيراني، خصوصاً أنهم لا يعتبرون مجرد امتداد لنفوذ النظام الإيراني في المنطقة، بل إنهم كذلك أداته الطيعة لمناكفة المملكة العربية السعودية. ولطالما ظل النظام الإيراني ينكر أي صلة له بالحوثيين أو ممارسته أي تأثير على قرارهم، غير أن المعطيات تناكف ذلك وتدحضه. ماذا يريد النظام الإيراني في اليمن؟ وهل تستمر الحرب أم يتم التوصل إلى حل سياسي؟ للوصول إلى الإجابة عن ذينك السؤالين، ينبغي طرح هذه المعطيات، وهي أن النظام الإيراني ينظر للحوثيين كم ينظر لـ«حزب الله» في لبنان، وذلك ما دفعه لدعم الحوثيين إعلامياً ومالياً وعسكرياً، للوصول في نهاية المطاف إلى تعزيز متانة الحليف في اليمن وبالتالي يكون للنظام الإيراني تأثير على المعادلة السياسية في ذلك البلد. نعم، إن هدف المعادلة السياسية التي تحاول إيران فرضها هو بقاء الحوثيين في حالة حرب مع الدولة اليمنية. بعد وصول الحوثيين لصنعاء واحتلالهم لها، تجلى الهدف الرئيس للنظام الإيراني والمتمثل في اكتساب مسوغ شرعي لتعزيز حضوره في اليمن بشكل رسمي. عندها بدأ استئناف الرحلات الجوية بعد انقطاع دام سنوات بين إيران واليمن، ولم يفتأ النظام الإيراني يستقبل الحوثيين بوصفهم ممثلين لحكومة اليمن. لكن كانت لعاصفة الحزم كلمتها، إذ جاءت لتقطع دابر النظام الإيراني وتسلخ عنه مسوغه الذي يراه شرعياً لفرض تواجده في اليمن، فعاد حليفه الحوثي هذه المرة في حالة حرب مع الشرعية اليمنية مدعومةً بالتحالف العربي. وهنا تأتي الإجابة على السؤال الذي دار في عقل أحد القراء، وهو أن النظام الإيراني لا يريد الحرب لأنها باختصار تؤجل تواجده بشكل رسمي في اليمن ويمكنها أن تقضي على حليفه المتمثل بالحوثيين. عندها بدأ وزير الخارجية الإيراني يسافر في رحلات مكوكية للترويج لحل سياسي وفق بنود مفصلة تنتهي إلى هدف رئيس من منظور النظام الإيراني وهو اعتباره أحد الأطراف في حل الأزمة اليمنية وما يترتب على ذلك من تسويغ لدوره في تحديد مستقبل اليمن. لكن هناك القرار الدولي الصادر عن الأمم المتحدة رقم 2216 حول الحل السياسي في اليمن.. فلماذا يتجاهله النظام الإيراني مقترِحاً حلا آخر؟ سؤال يتبادر إلى ذهن القارئ. وهنا يكمن المنظور الحقيقي للنظام الإيراني في أنه ليس حريصاً على الحل السياسي في اليمن وعلى تسوية المشاكلات القائمة في هذا البلد العربي، وإلا لكان قد أبدى ترحيبه بذلك القرار الأممي، لكنه يبحث عن حل سياسي يتسق وخططه للحضور الدائم في اليمن. ربما لاحت بوادر بارقة أمل للنظام الإيراني في اليمن، وفق ما يصبوا إليه، مع الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. فرغبة الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بريطانيا فرنسا وألمانيا، في تنفيذ شروط ترامب تدفعهم إلى الجلوس مع النظام الإيراني لمناقشته حول دوره في المنطقة. ولعل الخطر الحقيقي ليس في وجود مثل تلك المباحثات، وإنما يكمن في جدول اجتماعاتها واللغة المستخدمة فيها ودلالاتها. أعود إلى ما بدأنا به المقال وهو: «وافقنا على العمل مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا لإنهاء الصراع في اليمن بسبب الكارثة الإنسانية هناك». هل تلمّس القارئ خطورة الموقف؟ الغرب ربما يريد تسليم اليمن على طبق من ذهب للنظام الإيراني، عبر اعترافه رسميا بالتأثير الإيراني في اليمن. فبدلاً من الحديث عن وقف تدخلات إيران في اليمن، وأنه لا يحق لها تحت أي ظرف الحديث عن اليمن وكأنه أحد أطرافها، بات يناقش معها حل الأزمة اليمنية ليأتي الرد الإيراني على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني بالقول: «وافقنا على العمل مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا لإنهاء الصراع في اليمن بسبب الكارثة الإنسانية هناك»، مردفاً بالقول: سنضغط على حلفائنا في اليمن لفرض هدنة والحضور إلى طاولة الحوار. عاصفة الحزم أوقفت طموحات النظام الإيراني، وها هو الغرب يحاول إعطاءه الفرصة من جديد. ألا يتلمس العرب خطراً في ذلك؟ أين هم مما يتم التحضير له؟