قد يبدو للبعض للوهلة الأولى أن الرابط الوحيد بين القدس وصنعاء هو الانتماء للعالم العربي وبأنهما عاصمتان لدولتين لهما مكانة خاصة في قلوب العرب والمسلمين، فلسطين واليمن. ولكن الأمر أعمق من ذلك بكثير. فالقدس وصنعاء مدينتان ترزحان تحت نير الاحتلال حيث يحتل العدو الصهيوني القدس بينما صنعاء تحتلها جماعة «الحوثي» الإرهابية التابعة لإيران. ومن مفارقات القدر أن صنعاء عاصمة اليمن السعيد مهد العرب والتي خرج منها العرب الساميون للعديد من المناطق ومن أبرزها فلسطين التي استوطنها الكنعانيون وهم أول من سكن «القدس» أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. وقد قدم العرب الساميون للقدس في هجرتين كبيرتين: الأولى في بداية الألف الثالث قبل الميلاد والثانية في بداية الألف الثاني قبل الميلاد. ومن هنا يتضح الرابط التاريخي والاجتماعي والمعنوي بين المدينتين: القدس وصنعاء. فالقدس العربية عاصمة دولة فلسطين، والتي استوطنها البشر منذ الألفية الخامسة قبل الميلاد، تعرضت للتدمير مرتين، وحوصرت 23 مرة، وهوجمت 52 مرة، وتمّ غزوها وفقدانها مجددًا 44 مرة. وهي منذ العام 1948 ترزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي الذي يقوم يومياً بارتكاب كافة أنواع الجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني بما في ذلك تهويد المدينة وبناء المستوطنات وعزلها عن بقية المناطق الفلسطينية المحتلة وتنفيذ عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى وتشريد الشعب الفلسطيني منها وتسويقها عاصمة سياسية لدولة الاحتلال. ولا تهتم «إسرائيل» مطلقا بالتنديد والرفض الدولي لسلوكها المنافي للقوانين والأعراف الدولية بل لا تلقي بالا لضرورة المحافظة على علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع بعض الدول العربية التي مدت لها أيادي السلام ولكنها تقابل ذلك بالمزيد من الجرائم ضد القدس والشعب الفلسطيني متجاهلة قدرة الشعوب العربية يوما ما على الوقوف معا لنجدة القدس. أما صنعاء، تلك المدينة التي لها تاريخ ضارب في القدم؛ يرجع إلى حقبة مؤسسها سام ابن نبي الله نوح عليه السلام، فهي العاصمة السياسية (رسمياً) والتاريخية لليمن، وواحدة من أقدم المدن المأهولة باستمرار، ولها تاريخ من القرن الخامس قبل الميلاد على الأقل. وصنعاء هي التي أسهب علماء الجغرافيا والاجتماع من العرب وغيرهم في وصفها وامتداح طبيعتها وشعبها، ولعل من أبرز ما قيل عنها: «صنعاء هي مدينة اليمن وليس باليمن مدينة أعظم منها، ولا أكثر عملاً وخيراً وأشرف أصلاً، ولا أطيب طعاماً منها». كما أن قيام إيران الفارسية منذ عام 2014 بمحاولة احتلال صنعاء من خلال جماعة «الحوثي» الإرهابية المدعومة عسكرياً ومالياً من طهران، تعد امتداداً لسياسة إيران التوسعية التي ما زالت تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، وتتجاهل باستمرار نداءات دولة الإمارات خاصة، والدول العربية عامة للجلاء عنها، إضافة لسعي طهران لامتلاك السلاح النووي، وتصدير «الثورة الإسلامية» وبث الفتنة الطائفية بين شعوب الدول العربية المجاورة، ومحاولة قلب نظام الحكم في عدة دول عربية، وزرع أعوان لها في العراق وسوريا ولبنان تمكنوا من السيطرة على المشهد السياسي في تلك الدول. تلك هي العلاقة الأزلية بين القدس وصنعاء والتي تفوق كونهما عاصمتي دولتين عربيتين لتبلغ درجة الارتباط العضوي والتاريخي والبشري بينهما. وذلك هو الوضع الحالي في القدس وصنعاء، إذ يعاني شعبا المدينتين من ظلم الاحتلال الصهيوني والفارسي، وكأن الأدوار موزعة بين تلك القوتين الغاشمتين على تمزيق العرب وتشتيت شملهم من خلال ضرب جذورهم التاريخية والثقافية والاجتماعية وهدم معتقداتهم ومبادئهم. ولكن الأمل يحدونا في قرب تحرير صنعاء على يد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وحلفائهما تحقيقا لمقولة العرب: «لابد من صنعاء، ولو طال السفر»، كما يردد العديد من العرب والمسلمين «لابد من أن تعود القدس وصنعاء لأحضان العرب والشعب الفلسطيني واليمني ولو طال احتلالهما».