لم يعد خافياً عن أحد أن السلوك السياسي الإسرائيلي في المنطقة العربية أصبح أكثر إرهاباً وعنصرية وأشد سعياً للتغلغل داخل المنطقة من أي وقت مضى، خاصة بعد أن نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى مدينة القدس المحتلة، وهي خطوة وجد فيها اليمين الإسرائيلي الحاكم فرصة عظيمة لتصفية القضية الفلسطينية ولتهديد كل من يطالب بحل موضوع القضية الفلسطينية بالطرق السلمية أو يحاول تذكير إسرائيل بأن هناك شيئاً اسمه عملية سلام أو دولة فلسطينية! هناك أيضاً حالة شديدة من الاستعجال لدى إسرائيل لاستغلال هذه التطورات من أجل التوسع في فرض هيمنتها، خاصة بعد أن وجدت أن هناك تجاوباً من بعض النخب العربية لإقامة علاقات معها، وأن هذه العلاقات أصبحت وسيلة لتعظيم قوة المخطط الاحتلالي الذي طالما راود أحلام مؤسسي الحركة الصهيونية، منذ قيام إسرائيل في المنطقة العربية، بل قبل ذلك بعقود. وفي هذه المسألة تبدو القيادة الصهيونية في إسرائيل الآن واضحة إلى أقصى حد، ولعل التصريحات العديدة التي يطلقها القادة والمفكرون الإسرائيليون تؤكد ذلك. فهذا هو البروفيسور الإسرائيلي «بيني موريس»، أستاذ التاريخ في جامعة بن غوريون، يعترف بأنه لم تكن دولة يهودية لتظهر إلى حيز الوجود لولا اقتلاع الفلسطينيين واجتثاثهم، وبأنه لم يكن هناك خيار آخر سوى طرد هؤلاء السكان. وهذا هو أيضاً أحد الرؤساء السابقين لجهاز «الشاباك» الإسرائيلي يقول: «لقد أصبحنا قوة احتلال قمعية كالألمان خلال الحرب العالمية الثانية». كما كان الجنرال موسى يعلون، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، واضحاً وصريحاً عندما قال في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية: «لم يعد هناك شيء اسمه العالم العربي، ولم نعد نتكلم عن عالم عربي، لا يوجد شيء اسمه تحالف عربي، إن الولايات المتحدة الأميركية خلقت أجواء وظروفا عالمية جديدة». لذلك لم يكن غريباً أن يوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي قائلاً «إن حلم إسرائيل سوف يتحقق حينما يكون كره العربي للعربي أكثر من كرهه للإسرائيلي». ولعل الأهم من كل ذلك هو ما كتبه أحد الكتّاب الإسرائيليين تحت عنوان «أخيراً يخرج اليهود من محبسهم»، والذي قال فيه: «إذا كان القرن التاسع عشر هو في الأساس قرن بريطانيا، والقرن العشرون هو في الأساس قرن الولايات المتحدة، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن إسرائيل». وإسرائيل، كما يقول أحد الباحثين، ليست دولة بل هي مشروع يتعارض من أساسه مع مشروع النهضة العربية، وهي لا تستند فقط إلى قوتها الداخلية وسكانها بل إلى قوة دول عظمى مثل الولايات المتحدة، وإلى نفوذ أنصارها في مختلف أنحاء العالم. ويكفي هنا الإشارة إلى الدراسة الميدانية التي أصدرتها مؤسسة الأقصى لحماية المقدسات في فلسطين، والتي أشارت نتائجها إلى أن سلطات الاحتلال الصهيوني هدمت آلاف المساجد والمقابر الإسلامية منذ النكبة عام 1948، كما حولت العشرات منها إلى كنُس يهودية (معابد) وملاهي ليلية وأماكن للعب القمار، ومنعت ترميم بعضها الآخر وفرضت الإبقاء عليه في حالة يرثى لها.