شهد الأردن موجة احتجاجات كانت الأكبر منذ عدة سنوات رفضاً لمشروع قانون ضريبة الدخل الذي ينص على زيادة الاقتطاعات الضريبية من دخل المواطنين. لذلك فهي تظاهرات اقتصادية بالدرجة الأولى، وقد أطاحت بحكومة هاني الملقي ليتم تكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة. المظاهرات في الأردن شأن داخلي، وهي احتجاج على أوضاع اقتصادية لا على النظام السياسي، لكن أبواق قطر الإعلامية وعلى رأسها قناة «الجزيرة»، بدأت بالحديث عن «الربيع الأردني» وتسييس المظاهرات الاقتصادية، وبدأت تختلق أحاديث عن مؤامرة عربية ضد الأردن وعن «صفقة القرن»، بعد أن زعم وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم في تغريدتين نشرهما على موقع «تويتر»، أن الأمر يتعلق بضغوط على الأردن «للقبول بصفقة القرن». فتصاعدت تهويلات «الجزيرة» القطرية لما يحدث في الأردن، وبدأت الأقلام المأجورة بالحديث عن مؤامرات سياسية تحاك والتطبيل لتأجيج الشارع الأردني ضد الحكومة وضد النظام الملكي في الأردن. وفي المقابل سارعت السعودية للدعوة لعقد اجتماع رباعي يضم السعودية والإمارات والكويت والأردن، لبحث سبل خروج الأردن من أزمته الاقتصادية. بين التأجيج والتهدئة، يبرز التباين الحاد بين سياسات الدول الخليجية وسياسة قطر الإخوانية الهوى الساعية للتحريض وزرع الفتن كما فعلت من قبل في مملكة البحرين، بالتوازي مع دورها في تونس ومصر وليبيا وسوريا.. بعد أن تبنت «ثورات الربيع العربي» وطبلت أبواقها وزمرت لصعود «الإخوان». من المعروف أن الدول تتخذ قراراتها السياسية بناءً على مصالحها وفق حسابات الربح والخسارة ودون الاعتبارات الأيديولوجية، لكن في الحالة القطرية يتضح للمراقب أن السياسة القطرية تمتزج بالطرح الأيديولوجي الإخواني، بل وبدلا من أن تدير سياستها وأزماتها بطريقة دبلوماسية اختارت الأسلوب الإخواني في التصعيد وهو ما حصل في أزمتها منذ عام مع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب. فالتغلغل الإخواني في السياسة القطرية أصبح يعني بالضرورة أن فك الدوحة لارتباطها مع جماعة الإخوان سيعني بالضرورة سقوط النظام القطري. لذلك غلّبت الدوحة ارتباطها بجماعة «الإخوان» الإرهابية على علاقاتها بالدول المقاطعة واستمرت في رفض شروط المصالحة. النظام القطري يعتقد بأن تنظيم «الإخوان المسلمين» لا يشكل خطراً عليه ولن يشكله في أي يوم، وبأنه لا يوجد قطريون أعضاء في هذا التنظيم. ويعتقد كذلك بأن قيادات «الإخوان» الموجودة على أراضي قطر لا يحملون أجندة للعمل داخل البلاد، وإنما أجندتهم موجهة للخارج بالدرجة الأولى. من هذا المنطلق سعت قطر إلى استثمار ورقة تنظيم «الإخوان» لتحقيق مصالحها في التعامل مع العالم الخارجي. في تصريحات السفير الروسي السابق لدى قطر، فلاديمير تيتورينكو، في برنامج «رحلة في الذاكرة»، أكد دور «الإخوان» في صياغة السياسة الخارجية القطرية وتدخل «القرضاوي» المباشر فيها. يقول الدبلوماسي الروسي إنه حضر لقاءات شارك فيها القرضاوي، وتطرق فيها الأخير إلى ضرورة دعم المعارضة في الدول العربية. ويقول إن القرضاوي نصحه بتخلي موسكو عن الرئيس السوري بشار الأسد من منطلق أن الأنظمة العربية ساقطة لا محالة، لأنها غير ديمقراطية. وقال تيتورينكو للقرضاوي إن نظام الدوحة ذاته غير ديمقراطي، فرد الأخير أن دور قطر سيأتي أيضاً. ورغم محاولات زراعة الفتن والتطبيل الإعلامي والخطاب السياسي المؤدلج للتعاطي مع مظاهرات الأردن، فإن وعي القيادة والشعب الأردنيين أثبت بأنه ليست كل التظاهرات دعوات للتغيير السياسي لإسقاط النظام، مما ينهي أسطورة «الربيع العربي»، فليست كل التظاهرات «ربيعاً».