«على قدر أهل العزم تأتي العزائم... وتأتي على قدر الكرام المكارم»، ذلك بيت الشعر الذي يتصدر القصيدة الخالدة للشاعر العربي أبوالطيب المتنبي، والذي جاءت كلماته انعكاساً لأنشودة انتصار وزهو ورجولة وقوة استطاع من خلالها أن يصف لنا الملحمة العربية ضد الروم بلغة متميزة ترتكز على الخيال المبدع وبطريقة أبرز من خلالها قدرات ومفردات اللغة العربية للتعبير عن الحدث بشكل دقيق. واليوم، وبعد أكثر من ألف عام على كتابة تلك القصيدة، نجد أنفسنا أمام قيادة في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تستحق أن تسمى «بأهل العزم» إذ تقف شامخة، من ناحية، أمام مطامع الفرس الذين يعملون على بث الفتنة الطائفية وتفتيت الدول الخليجية، وأمام الإرهاب الذي لا يعرف الحدود ولا يحترم الدين أو الإنسانية من ناحية أخرى. ولقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمتميزة التي تربط أبوظبي والرياض بقوله: «الإمارات والسعودية تجمعهما علاقات استراتيجية تستند إلى أسس راسخة من الأخوة والرؤى والمواقف والتوجهات المتكاملة تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود». وتعكس «استراتيجية العزم» بين الإمارات والسعودية الرؤية الثاقبة لقيادة البلدين في تجاوز أي «مشكلة صغيرة جداً جداً جداً» في درب ترسيخ التكامل والتعاون بين الشعبين، ولذلك جاءت محاور ومشاريع الاستراتيجية تعبيراً عن طموح بلا حدود للقيادتين مما يستوجب على شعبي الدولتين الوقوف صفاً واحداً متحدين خلف القيادة. وتضم استراتيجية العزم ثلاثة محاور رئيسية، هي المحور الاقتصادي، والمحور البشري والمعرفي، والمحور السياسي والأمني والعسكري، إلى جانب 44 مشروعاً مشتركاً من أصل 175 مشروعاً ترمي جميعها إلى ترسيخ التعاون والشراكة بين البلدين وبما يمهد الطريق لمرحلة جديدة من العمل المثمر والبناء بين الطرفين. ويتضمن المحور الاقتصادي مجالات استراتيجية عديدة من أبرزها الأسواق المالية والقطاع اللوجستي، والإنتاج والصناعة، وأمن الإمدادات، والسوق المشتركة، والبيئة والزراعة والمياه، والطاقة المتجددة، والإسكان، والرياضة، والنفط والغاز والبتروكيماويات. وستتم ترجمة تلك المجالات من خلال مشاريع ثنائية من أبرزها سياسة تمكين القطاع المصرفي، تبادل الخبرات في مجال صيانة الطرق، إنشاء صندوق استثماري للمشاريع المتوسطة والصغيرة، تطوير خطة المخزون الطبي الاستراتيجي، تبني استراتيجية موحدة للأمن الغذائي في البلدين، إنشاء الصندوق السعودي الإماراتي الاستثماري للطاقة المتجددة، وتنفيذ مشروع الربط الكهربائي الخليجي. بينما سيتم إطلاق العديد من المشاريع ضمن المحور البشري والمعرفي من أبرزها التعاون بين مؤسسات التعليم العالي، إطلاق منظومة التعليم الرقمية، تأسيس اللجنة السعودية الإماراتية لسياسة التعليم الفني، وتعزيز الابتكار في مجال التعليم التقني. أما المحور الاستراتيجي الثالث والخاص بالتعاون في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية، فسوف يركز على العديد من المشاريع من أهمها التصنيع المشترك للذخائر التقليدية والأسلحة الخفيفة والعربات والأنظمة المسيرة وأنظمة الرماية الإلكترونية، والتعاون والتنسيق في المساعدات العسكرية الخارجية، والتعاون في مجال صيانة المنظومات العسكرية، وتوحيد المواصفات والمقاييس في قطاع الصناعات العسكرية. وتأتي «استراتيجية العزم» باكورة لمخرجات (مجلس التنسيق السعودي الإماراتي) والذي يضع نصب عينيه الروابط التاريخية والدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين البلدين وضرورة خلق نموذج استثنائي للتكامل بينهما لمواجهة كافة التحديات التي تواجه شعب الإمارات والسعودية حاضراً ومستقبلاً. وبالتالي، تضع أبوظبي والرياض مرة أخرى نموذجاً يُحتذى به على المستوى العربي لما يجب أن يكون عليه التعاون والتنسيق بين الدول العربية، والأمل ما زال معقوداً على أن ينعكس ذلك النموذج على جامعة الدول العربية بشكل عام، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل خاص.