كان «أليكسندر جاولاند»، أحد زعيمي حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني القومي، يسعى لأكثر من مجرد عناوين صحف مثيرة عندما قال يوم السبت: «إن هتلر والنازيين مجرد (روث طير) في ألف عام من تاريخ الأمجاد الألمانية». وبالطبع أثارت تصريحاته جدلاً كبيراً بينما تسعى برلين جاهدة لاقتناص فرصة تاريخية لتصبح واحدة من ركائز نظام جيوسياسي عالمي متعدد الأقطاب. وسيقتضي تحقيق ذلك الهدف رؤية بشأن تاريخ الدولة أقرب لوجهة نظر «جاولاند» منها لرؤية النخبة السياسية السائدة. وقد أثار تصريح «جاولاند» في خطاب أمام رابطة الشباب التابعة للحزب ردود فعل غاضبة، فبالنسبة للتيار السائد من السياسيين، يستدعي ذلك إلى الذاكرة تصريحاً أدلى به القومي اليميني الفرنسي «جان ماري لوبن» في عام 1987، كرّره لاحقاً، بأن غرف الغاز كانت «مجرد نقطة» في تاريخ الحرب العالمية الثانية. وأشار الرئيس «فرانك والتر شتاينمير» إلى تصريحات «جاولاند» كجزء من محاولة كسر محرمات ما بعد الحرب بشأن النظام الاشتراكي الوطني. وأوضح «شتاينمير» أن «أولئك الذين ينكرون الآن ذلك الانتهاك الصارخ للحضارة أو يقللون من شأنه، لا يسخرون فحسب من ملايين الضحايا، لكنهم ينكأون عمداً جراحاً قديمة، ويغرسون بذور كراهية جديدة، وعلينا أن نتصدى لهم جميعاً». وإن اعتذر بعض أعضاء حزب «البديل من أجل ألمانيا» عن تصريحات «جاولاند»، فإن زعيم الحزب لم يقصد على الأرجح بتصرحيه إنكاراً للهولوكوست. فذلك النوع من التصريحات لن يؤدي إلى جذب الناخبين في ألمانيا، وربما يفضي إلى مشكلات قانونية. كما أن «جاولاند» أثنى على من وصفهم بـ«أبطال يهود» في التاريخ الألماني، وقال «إن رفض النازية صار في دمائنا». وفي ذلك السياق، تشي إشارة «روث الطير» بأن السياسي البالغ من العمر 77 عاماً كان في سياق نهج حزبه ،وهو أنه على ألمانيا أن تتوقف عن الاعتذار عن أحلك الصفحات في تاريخها، وأن تؤكد بدلاً من ذلك على الصفحات الملهمة. وقال: «إن الرموز العظيمة في الماضي الألماني، من «تشارلماجن إلى كارل الخامس وحتى بيسمارك، يقدمون ميزاناً ينبغي أن نزن عليه أفعالنا». ومثل هذه التصريحات تكررت في المناقشات الوطنية لدور ألمانيا الراهن في العالم. وحتى كثير من الليبراليين، الذين يعتبرون الآراء القومية لـ«جاولاند» لعنة، يرغبون أن تستيقظ دولتهم من سبات ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي وقعت فيه، وأن تصبح في موقع الريادة العالمية. وقد تزايد التشجيع على اضطلاع ألمانيا بدور أكبر مع ما يبدو تقليصاً من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنفوذ بلاده في أنحاء العالم. وتعتبر ألمانيا مدافعاً عن القيم الأوروبية، وزعيماً محتملاً لمقاومة الشعبوية، خصوصاً في ضوء تاريخها الخاص. غير أن الشعور بالذنب لا يعتبر مصدر إلهام كبير لأي نوع من القيادة، حتى باسم القيم الليبرالية. ومثلما كتب «ماجنوس سكولر» في دراسة له عام 2016 حول الدور الألماني في حل أزمة منطقة اليورو، تتردد الدولة الألمانية في تولي دور القيادة، ولا تتولاه إلا عندما تتأكد أن مكاسبها من تلك القيادة ستكون أكبر من الخسائر المحتملة. وإذا نظرت ألمانيا إلى الأجزاء المجيدة من ماضيها، فربما يصبح لديها طموح أكبر، وتظهر مزيداً من الكبرياء وتولي القيادة، لكن التردد في حمل شارة «قائد العالم الحر» والمدافع عن النظام الليبرالي، فيعكس إدراك ألمانيا الصادق بأنه لابد من التعامل مع القيادة بعناية فائقة. وإذا تبنت ألمانيا خط «جاولاند»، أو حتى نسخة أخفّ منه، فإنها على الأرجح ستقفز لتقتنص فرص تولي دفة القيادة. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»