رغم أن كلمة العيد، مرتبطة أصلاً بالعودة المتكررة لأمر عزيز محبب إلى النفوس، سواء كان دينياً أم اجتماعياً وسياسياً، فإنها محملة بشحنة عاطفية تنزع إلى القداسة، تأتي بها من مجال الدين بروحانيته إلى عالم السياسة بماديتها ورمزيتها، في استعارة واضحة، يتم تبادلها من خلال إضفاء طابع سياسي على جانب من الأعياد الدينية، وطابع ديني للأعياد السياسية. فإذا كان العيد لغوياً هو «كل ما يعود من مرض أو هم أو شوق أو نحوه»، و«كل يوم يُحتفل به بعودة ذكرى عزيزة»، فإنه من ناحية الطقوس والممارسات والتصورات يتشابه في الثقافات كافة، بغض النظر عن المناسبة أو التصنيف. فهو كل يوم‌ فيه‌ جمع‌، أو تذكار لذي‌ فضل‌، أو استرجاع حادثة‌ مهمّة‌، أو لأنه‌ يعود كل سنة‌ بفرح‌ مجدد. أما معناه‌ المصطلَح‌ عليه‌ عند الناس‌ والشعوب والطوائف‌ والملل‌ والنِّحَل‌، هو ذكرى سنوية لواقعة‌ وحادثة‌ أو مناسبة ما، من‌ أجل‌ تكريمها وتخليدها والإشادة‌ بروحها ومعناها، والاستمتاع بها، ما يعني أنه، في خاتمة المطاف، تعبير وجداني أو روحاني عن حالة فرح خاصة تعتمل في نفس الإنسان إذا كانت مناسبة دينية خاصة أو حالة اجتماعية أو ثقافية تستوجب الاحتفاء بها لما لها من أهمية في النفوس. ربما لهذا أضفي الأميركيون على الآباء المؤسسين للولايات المتحدة قداسة مسيحية، وقد ظهر هذا في لغة الخطاب التي واكبت الأعياد السياسية، وفي وضع الدستور في حيز أشبه بالتأليه الديني، ومن ثم صارت الثقة في نقائه ومثاليته موضوع إيمان في الذهنية الأميركية، وفي الاحتفال بالمؤسسين وكأنهم قديسون أطهار. والأعياد السياسية بعمومها هي مناسبات تقيمها الأمم بانتظام لتخليد أيامها المجيدة، وتمجيد رجالها الكبار، وتذكير اللاحقين بالمواقف العظيمة للسابقين، فيدركون مسالكهم وقيمهم، ويتمسكون بها، أو يتمثلونها في تدابيرهم، وتكون أحد بواعث نهضتهم، وأحد جوانب اعتزازهم بوطنهم، وأحد أسباب حفزهم على التفاني في خدمة وطنهم، بما يجعل بعضهم يتطلع إلى أن نيل الاعتراف والثناء الذي ناله هؤلاء، بما أبقاهم مكرمين، فيما كتب عنهم، وبالاحتفالات بميلادهم ومواقفهم ويوم وفاتهم، ونصب تماثيل مجسمة لهم في أوسع ميادين المدن، سواء كانوا علماء أو أدباء أو سياسة وقادة عسكريين. ويتعامل كثير من الناس مع هذه الأعياد السياسية بالإيقاع والتصور نفسه الذي يصاحب الأعياد الدينية، سواء من زاوية البهجة التي تحل في النفوس، أو الروحانية والامتثال الطوعي الذي يملأها وهي تستعيد أمجادها، أو الرغبة في تجديد المسارات التي تسلكها الأمم في طريقها إلى الارتقاء بأحوالها كافة. وقديماً مثَّل العيد عند العرب مناسبة يعبرون فيها عن أفراحهم، ويحاولون تجاوز أتراحهم، ويستعملونه في الإسقاط على أشياء أخرى، بعضها سياسي، مثل ما فعل المتنبي في قصيدته الشهيرة، التي هجا فيها حاكم مصر كافور الإخشيدي، لأنه لم يجزل له العطاء، ويقول في مطلعها: «عيد بأية حال عدت يا عيد... بما مضى أم لأمر فيك تجديد». وطالما منح هذا البيت فرصة للمعارضة السياسية في بلدان عربية وإسلامية عدة، كي تربط فرح الأعياد الدينية بالأحوال العامة، وكيف يجب أن تأتي الأعياد لتجد الأمة أو الدولة وقد تبدلت أحوالها إلى الأحسن. فكلمات وخطابات وتصريحات هؤلاء المعارضين قبيل مثل هذه الأعياد وأثنائها وبعدها انطوت على استعارة المعاني الدينية في وصف وشرح وتحليل الحالة السياسية، وكيف يجب على الناس أن يناضلوا ضد الفساد والاستبداد كي تأتي الأعياد لتجدهم أحسن حالًا، وأروق بالًا، بما تحقق لهم من حرية وعدل وكفاية، أو الكفاح في سبيل أن يُضاف إلى أعياد الأمة السياسة عيد جديد، تأتي في رحابه وركابه نهضة الأمة وتقدمها. وهناك من يـأخذ الأمر إلى مدى أبعد بكثير، حين يوظف الأعياد سياسياً باتخاذها مناسبة لتجاوز التعصب للهويات الدينية والمذهبية والعرقية والأيديولوجية والتصورات الذاتية المغلقة، والتماهي مع المشترك الإنساني الذي يؤمن بالتعدد والتنوع البشري الخلاق، ويتكئ إلى الإرث المشترك لبني البشر، وحاجة الإنسان، في كل زمان ومكان، إلى الفرح، والتغلب على معاناة الحياة وتفاصيلها الصغرى، وإطلاق طاقة الأمل والنور في النفوس بأن بوسع الناس، في مشارق الأرض ومغاربها، أن يتجاوروا ويتحاوروا ويعملوا معاً من أجل تحسين شروط الحياة.