جزء من القصة المتداولة حول أسباب الحرب الأهلية السورية يفيد بأن اندلاعها في عام 2011 كان مسبوقاً بجفاف دام عدة سنوات ودمّر العديد من المناطق الزراعية. وهذا الجفاف دفع السكان للنزوح إلى البلدات والمدن، ما وفر عناصر للغضب ثم العنف. ثم أدت الفوضى التي عمّت سوريا لاحقاً إلى هجرة جماعية نحو الدول المجاورة، وخاصة لبنان وتركيا والأردن وأوروبا. وغني عن البيان أن تأثير موجات الهجرة هذه على البلدان المستقبلة كان عميقاً، وأن التداعيات الكاملة لذلك ما زالت غير معروفة. ومن ذلك أن المشهد السياسي في أوروبا أصبحت تهيمن عليه الأحزاب القومية اليمينية ويشبه مشاعر مماثلة سائدة في بلدان أخرى تواجه تحديات الهجرة مثل الولايات المتحدة والهند. لكن ما يناقش بشكل أقل، وإنْ كان لا يقلّ مأساوية وزعزعة للاستقرار السياسي، هو الأحداث البيئية في الشرق الأوسط التي لا تحظى باهتمام كاف في النقاشات. وهناك ثلاثة مواضيع تستحق النقاش بشكل خاص: الأزمة حول نهر النيل، ومحنة اليمن، ونزاع إيران مع أفغانستان حول الماء. إن البلدان الثلاثة الأكبر التي تتقاسم مياه النيل هي مصر والسودان وإثيوبيا، وجميعها تواجه تزايداً في عدد السكان وحاجةً موازية إلى مزيد من الطعام والطاقة اللذين ينبغي أن يأتيا من مياه النيل. وبحلول عام 2025، من المتوقع أن يفوق سكان إثيوبيا 131 مليون نسمة لتصبح بذلك عاشر أكبر بلد من حيث عدد السكان في العالم، بينما من المتوقع أن يبلغ عدد سكان مصر 115 مليون نسمة، والسودان 43 مليون نسمة. وحتى الأمس القريب، كانت معظم مياه النيل تستخدم من قبل مصر، وقد ازداد استغلالها في توليد الطاقة الكهربائية بشكل كبير مع إنشاء «السد العالي» في أسوان، والذي اكتملت أشغال بنائه في السبعينيات. لكن نجاح سد أسوان شكّل مؤشراً واضحاً بالنسبة لإثيوبيا على أنها أيضاً بحاجة إلى استغلال مياه النيل في توليد الكهرباء. وهكذا، انكبت على إنشاء أكبر سد في أفريقيا، أي «سد النهضة». ولما كانت إثيوبيا تتحكم في تدفق النيل الأزرق، الذي يشكّل معظم مياه مصر، فقد كانت ثمة تخوفات كثيرة. وأياً تكن الصيغ الدبلوماسية التي سيتم البحث عنها من أجل التخفيف من بواعث القلق المصرية، فإن مياهاً أقل من النيل الأزرق ستتدفق على مصر لتصبح بذلك القضية قضية أمن قومي. ومما يعقد الأزمة أكثر، أن مصر تواجه أيضاً تهديدات كبيرة جراء تسرب مياه البحر إلى منطقة دلتا النيل بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر الأبيض المتوسط. وتهدد مياهُ البحر مياهَ النيل العذبة وما توفره من مياه جوفية ضخمة عبر دلتا النيل كله. ولا شك في أن التعاون بين البلدان التي تتقاسم مياه النيل يمكن أن يؤخّر تداعيات تناقص المياه العذبة وارتفاع مستويات البحر، لكنها لن تكون مهمة سهلة وخاصة في حال اصطدام الجهود الرامية إلى التعاون بسوء الحكامة والنزاعات الداخلية والخارجية داخل المنطقة. حالة اليمن سبق أن نوقشت عدة مرات من قبل كاتب هذه السطور خلال السنوات القليلة الماضية. وحتى الآن، لا يلوح في الأفق أي حل للأزمة البيئية هناك. فاليمن ليس لديه أنهار ولا بحيرات طبيعية. ومياهه العذبة تأتي من الأمطار والمياه الجوفية العميقة التي استُنفدت بسرعة في السنوات الأخيرة. وعلاوة على ذلك، فإن تقنيات السقي المستديم المتاحة محدودة جداً. وزراعة القات، وهو نبتة مخدرة تمضغ من قبل جزء كبير من السكان وتُعتبر محصولا نقدياً من السهل زراعته وتسويقه، تتطلب للأسف مياه كثيرة. وإضافة إلى هذه المشاكل، هناك حرب أهلية عنيفة تشمل بعض القوى الإقليمية، وما نجم عنها من إضعاف للحكومة المركزية. ويبدو أن أزمة اليمن مرشحة لأطوار أخرى في ظل استمرار الانقلاب الحوثي. أما في حالة إيران وأفغانستان، فإن النزاع المائي الرئيسي يتعلق بالوصول إلى مياه نهر هلمند الذي يُعد حيوياً بالنسبة لسكان منطقة سيستان. المياه تنبع من جبال هيندوكوش في أفغانستان. وفي السنوات الأخيرة، تفاقمت مشكلة مياه إيران بشكل كبير بسبب ارتفاع عدد السكان، وسوء التدبير، وتغير المناخ. وإلى ذلك، فإن فشل إيران وأفغانستان في حل مشكلة مواردهما المائية المشتركة، دفع طهران إلى التدخل في الحرب الأهلية الأفغانية الحالية، وفي بعض الأحيان، الانحياز إلى «طالبان» ضد حكومة أشرف غاني وأنصاره الأميركيين. وفي كل هذه الحالات، فإن المشكلة الأساسية لنقص المياه وتهديدات ارتفاع مياه البحر مرتبطةٌ بتغير المناخ، غير أنه إذا لم تكن ثمة نهاية للعنف الذي يعصف بسوريا واليمن وإيران وأفغانستان، وفي غياب تسويات سياسية ذات معنى بين بلدان النيل، فإن الوضع البيئي السيئ أصلا سيزداد سوءاً في غضون فترة قصيرة قادمة.