اكتملت مسرحية الديمقراطية العراقية بمشهد حريق أكبر مخازن صناديق الاقتراع بالرصافة في بغداد بعد أقل من يومين على قرار الحكومة إعادة الفرز اليدوي. فمع اقتراب مهلة نهاية ولاية البرلمان العراقي في 30 يونيو عقد مجلس النواب العراقي جلسة استثنائية صوت بالغالبية لصالح تعديل قانون الانتخابات التشريعية رقم (45) لسنة 2013 شمل إلزام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإعادة الفرز اليدوي لنتائج الانتخابات التي جرت في 12 مايو، وذلك في كل المراكز الانتخابية في عموم العراق، وانتداب تسعة قضاة لإدارة مجلس المفوضية يتولون صلاحيات أعضائه الموقوفين في انتظار انتهاء التحقيق في جرائم تزوير شابت عملية التصويت بعد اتهامات بحدوث خروقات جسيمة في تلك الانتخابات، كما منح التعديل للهيئة القضائية المشرفة صلاحية إلغاء نتائج المراكز الانتخابية التي يثبت فيها وجود مخالفات وإلغاء نتائج تصويت الخارج لجميع المحافظات. وهو ما اعتبر مساساً بنتائج الانتخابات الحالية. بين إعادة العملية الانتخابية أو إعادة الفرز من المستفيد؟ ومن الرابح والخاسر في عملية حرق بطاقات التصويت بعد قرار إعادة فرزها؟ لقد دخل العراق بعد الانتخابات في سلسلة من التحقيقات فمن اتهامات بتزوير جزئي للانتخابات في الخارج انتقلت الاتهامات إلى ?تزوير ?مراكز ?النازحين، ?وبعدها ? التزوير ?الشامل للانتخابات، وفتح التحقيق ليس في الانتخابات بحد ذاتها، بل بالمشرفين على الانتخابات في المفوضية العليا للانتخابات العراقية، ومن ثم جاءت مشكلة حرق ?صناديق الاقتراع، وبعد مزاعم تزوير نتائج الانتخابات أمر البرلمان بإعادة الفرز اليدوي لنحو 10 ملايين صوت، فإلغاء نتائج الخارج وإعادة العد والفرز يدوياً يحتاج عدة شهور. كما أن ولاية مجلس النواب العراقي ستنتهي نهاية يونيو الجاري، ومما يعني أن العراق سيدخل في مرحلة فراغ دستورية، وفي أزمة تشريعية غير مسبوقة للسلطات التشريعية والتنفيذية ومؤسسات الدولة، وقد يلجأ إلى تمديد البرلمان الحالي، والجدير بالذكر هنا أن غالبية أعضاء مجلس النواب الحالي بنسبة تصل إلى 70 في المائة، من ضمنهم هيئته الرئاسية قد خسروا مقاعدهم في الانتخابات، ويبدو أنه في لعبة التجاذبات السياسية تحول المجلس إلى أداة من أدوات الضغط لتغيير أو التأثير في نتائج الانتخابات. لقد انتهى السباق الانتخابي في 12 مايو، وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تصدر قائمة «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر نتائج الانتخابات البرلمانية وحصوله على 54 مقعداً من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعداً ليبدأ صراع آخر لتغيير النتائج أو التأثير على المحصلة النهائية للانتخابات. وفي إطار السعي لبناء تحالفات سياسية تحظى بالأغلبية لتشكيل الحكومة أعلن عن تحالف كتلة «سائرون» مع كل من تيار «الحكمة» بزعامة عمار الحكيم و«القائمة الوطنية» بزعامة إياد علاوي لتشكيل ما سُمي ب «الأغلبية الوطنية الأبوية» عندما تتم المصادقة رسمياً على نتائج الانتخابات. إلا أنه وقبل الشروع في إعادة الفرز اليدوي للأصوات، أتى الحريق على نتائج الانتخابات في وسط العراق، وعبرت كتلة «سائرون» عن مخاوفها من أن تؤدي إعادة الفرز يدوياً وإتلاف صناديق تصويت وبطاقاتها إلى احتمال فقدانها صدارة النتائج. وفي حركة استباقية لقطع الطريق أمام ما قد يكون انقلاباً على نتائج الانتخابات مع تصاعد الدعوات إلى إعادة الاقتراع، أعلن تحالف «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر، وقائمة «الفتح» بقيادة هادي العامري عن تشكيل تحالف سياسي لتكوين الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان العراقي الجديد. وهو تحالف يرى المراقبون أن لإيران دورا بارزاً فيه خاصة بعد الاجتماع الذي عقد داخل السفارة الإيرانية في بغداد لدفع الأطراف السياسية التوصل إلى تشكيل تحالف شيعي واسع ضم قاسم سليماني ومجتبى خامنئي، ومن الجانب العراقي ضم اللقاء هادي العامري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي حفاظاً على المصالح الإيرانية في العراق. الكوميديا السوداء للديمقراطية العراقية مازالت مستمرة والتيارات والأحزاب السياسية العراقية لازالت تواجه مشاكل في التفاوض فيما بينها لتشكيل حكومة قادرة على البقاء والاستمرار وسط حالة مستمرة من التوجس وعدم الاستقرار السياسي والأمني. فهل يتجاوز العراق أزمته السياسية الجديدة؟