ليس هناك رقم محدد لعدد دول العالم، فبينما تشير بعض المنظمات إلى أن العدد 230 دولة، يذهب بعض الباحثين إلى أن العدد 254 دولة، وفي كل الأحوال، لا يقل العدد عن 200 دولة، وهو الرقم الذي يفترض أن يوضع في عين الاعتبار عند اتخاذ القرارات ذات الصلة بالتجارة والاستثمار والسياحة، فحتى لو كانت الغالبية العظمى من تلك الدول أضعف من أن تنافس دولة كالإمارات، تتوفر فيها بيئة استثمار وسياحة متكاملة، فإننا لا نستطيع أن نحدد اتجاهات المستثمرين وتطلعاتهم، ولا رغبات السائحين وخططهم. مناسبة هذا الكلام السباق المحموم الذي حدث في السنوات الأخيرة بين المؤسسات الحكومية على المستويين الاتحادي والمحلي نحو تعظيم الإيرادات عبر زيادة الرسوم والغرامات واستحداثها، وهو الأمر الذي عمل مجلس الوزراء والمجالس التنفيذية في إمارات الدولة على تصحيحه مؤخراً من خلال حزمة من القرارات المتعلقة بقطاعات التجارة والسياحة، لتعزيز مكانة الدولة كمركز عالمي متقدم في مجال التجارة والاستثمار والسياحة. وبالرجوع إلى السنوات الأخيرة، فقد كانت أخبار الرسوم والغرامات لا تنقطع عن وسائل الإعلام، وفي رأيي أن أحد أسباب ذلك هو ثقة المعنيين بقيادة المؤسسات الحكومية بعدم وجود منافس من الخارج على المستثمر والسائح، أي اعتقاد المسؤول بأن الذي ينافس مؤسسته على جذب المستثمر والسائح هو مؤسسة في إمارة أخرى لا أكثر ولا أقل، وأحياناً يكون الاعتقاد بعدم وجود منافس أساساً، بالنسبة للمؤسسات التي تقدم خدمة أو تنظم نشاطاً معيناً بشكل احتكاري. وبصورة أخرى، كان هناك اعتقاد لدى هؤلاء المديرين بأن المستثمر قادم إلى الدولة لا محالة، والسائح في الطريق بلا شك، وسيصل اليوم أو غداً، من دون الأخذ بعين الاعتبار أن هناك 200 دولة أخرى قد ينقل المستثمر تجارته ورأس ماله إلى إحداها، وأن السائح حين يقرر الترويح عن نفسه والتمتع بإجازته، يستعرض خريطة العالم ويجد أمامه أكثر من 200 دولة. المستثمر ومثله السائح، وهو بصدد اتخاذ القرار، قد يقنع بالاستثمار أو قضاء الإجازة في بلد لا تمتلك المقومات التي تمتلكها الإمارات، إذا وجد أن تكلفة الأعمال أو السياحة أقل، بمعنى أنه قد يتنازل عن بعض الخدمات المميزة، وبعض التسهيلات الجيدة، وبعض الخيارات المفضلة، والتي تمتاز بها الدولة وتوفرها، لقاء التكلفة المنخفضة لكل ذلك، والتي تتيحها دولة أخرى ضمن الـ200 دولة التي يراها على الخريطة، أي أن التكلفة ليست عاملاً ثانوياً بالنسبة للمستثمر والسائح، بل قد تكون العامل الأول والأهم. القرارات التي يصدرها القائمون على أمر المؤسسات الحكومية تنبع في المقام الأول من قناعات لديهم، وتأتي الأسباب الأخرى كدعامة للقناعة، ومن البديهي أن القرار سيأخذ وقته من الفحص والتدقيق والمراجعة والنظر في أبعاده المختلفة حين يكون لدى متخذه قناعة بأن هناك 200 دولة منافسة حول العالم، ومن البديهي أن القرار سيمرّر سريعاً إذا كانت القناعة بأن المستثمر قادم لا محالة، والسائح في الطريق بلا شك.