تستعد إسرائيل لإجراء انتخابات عامة جديدة. يقود بنيامين نتنياهو حزبه لخوض هذه المعركة. إذا نجح كما هو متوقع، فإنه يكون قد سجل رقماً قياسياً في السلطة، بحيث يتقدم حتى على ديفيد بن جوريون، أول رئيس للحكومة في إسرائيل. يعتمد نتنياهو في معركته على عاملين، العامل الأول هو استقطاب تأييد المستوطنين من اليهود المتشددين. وهذا سر موافقاته على بناء المزيد من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية على أراض عربية محتلة ومصادَرة. وهذا أيضاً سرّ لجوئه إلى العنف الشديد في مواجهة الانتفاضة في غزة، وفي القمع الشديد لها في الضفة الغربية. أما العامل الثاني والأهم، فهو توظيف سياسة الرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط في خدمة حملته الانتخابية. منذ 36 عاماً ونتنياهو يعمل في الدبلوماسية وفي السياسة الإسرائيليتين. فقد قضى كل مهامه الدبلوماسية في الولايات المتحدة، ولكنه لم يكن مرغوباً فيه. فالرئيس رونالد ريجان فرض شروطاً قاسية على دخوله البيت الأبيض إلى حد منعه. وفي عهد جورج بوش الابن مُنع حتى من دخول وزارة الخارجية بسبب انتقاداته اللاذعة والتي تفتقر إلى الحد الأدنى من التهذيب الدبلوماسي للرئيس نفسه ولسياسته. واصطدم مراراً، علناً وبشدة، مع كل من الرئيسين السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما. وقد أبدى كل منهما علناً استياءه الشديد من سلوك وتصريحات نتنياهو. فعندما أعلن الرئيس أوباما أمام الأمم المتحدة في سبتمبر من عام 2010 بعد نيله جائزة نوبل للسلام «إننا نتطلع إلى انضمام دولة فلسطين الحرة المستقلة في العام القادم إلى المنظمة الدولية»، تعرّض لانتقادات بذيئة على لسان نتنياهو نفسه. أما الآن فان رئيس حكومة إسرائيل لا يتمتع فقط بعطف الرئيس ترامب، ولكنه يتمتع أيضاً بتأييد قوي من الثلاثة الأشد تأثيراً في صناعة قرار هذا الرئيس، وهم: نائب الرئيس مايكل بنس، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو. فنائب الرئيس يمثل في البيت الأبيض الحركة المسيحانية الصهيونية، وهي حركة دينية واسعة الانتشار في الولايات المتحدة (70 مليون عضو) تؤمن بأن دعم إسرائيل يستجيب للتعاليم الإلهية، وأن وجود إسرائيل يشكل جسر العبور للعودة الثانية للمسيح المنتظر. وتالياً فإن تهويد القدس وبناء الهيكل واجب ديني على الولايات المتحدة أكثر مما هو تأييد سياسي لإسرائيل. ويلتقي معه في هذا المنطق كل من بولتون وبومبيو. وهو اللقاء الذي يبني عليه نتنياهو قاعدة سياسته المتطرفة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة التي تخضع للاحتلال الإسرائيلي العسكري المباشر منذ 51 عاماً. وخلافاً لعلاقات نتنياهو السيئة والسلبية مع الرؤساء السابقين، فإن علاقاته مع الرئيس ترامب شخصياً تتمتع بالصداقة، وهي تعود إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي. فالرئيس ترامب معجب بنتنياهو ويعتبره صديقاً شخصياً له. وهو يتأثر بآرائه. ومنذ أن وصل ترامب إلى السلطة، وهو يبادر إسرائيل –عبر نتنياهو شخصياً- بالمواقف المؤيدة والمخالفة للقانون الدولي ولمقررات الأمم المتحدة، وحتى للالتزامات السياسية التي اتخذتها الإدارات الأميركية السابقة من القضية الفلسطينية. ومن هذه المواقف قرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل «التوراتية» ونقل مقر السفارة الأميركية إليها من تل أبيب، وتشجيع الدول التي تدور في فلك الولايات المتحدة –مثل جواتيمالا- أن تحذو حذوها. ومن هذه المواقف أيضاً المشروع الذي أُطلق عليه «تسوية العصر»، والتي رفضها المسلمون والعرب والفلسطينيون لأنها تلغي مبدأ الدولتين، وتحوّل إسرائيل إلى دولة عنصرية على غرار دولة جنوب أفريقيا السابقة، إلا أن هذه المواقف تدعم الرئيس الإسرائيلي نتنياهو وتعزز من شعبيته في أوساط المتطرفين اليهود. ولا يقتصر الدعم الأميركي في عهد الرئيس ترامب على هذه المواقف، بل تعداه إلى ما هو أبعد. فالدبلوماسية الأميركية لعبت دوراً أساسياً في ترميم العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول التي كانت تعتبر إسرائيل دولة عنصرية محتلة، مثل الهند. فالعلاقات اليوم ودية جداً بين نتنياهو والرئيس الهندي نارندرا مودي. من الواضح أن نتنياهو يعتمد سياسته المتطرفة في الضفة الغربية وغزة على إدخال اليأس في نفوس الفلسطينيين وإدخال الملل في نفوس شعوب العالم. غير أن رد الفعل الفلسطيني أثبت أن اليأس لا يعرف طريقه إلى إرادته باسترجاع حقه، كما أن الضمير العالمي أثبت حيويته من خلال مواقف الاستنكار للجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.