في السنوات الثلاث الماضية، قاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلاده في رحلة سياسية مثيرة بلا نهاية فيما يبدو. وتحت رعاية حكومته، شهدت البلاد انتخابين برلمانيين واستفتاءً مثيراً للجدل منح الرئاسة التركية سلطات أوسع. وعمليات التطهير التي بدأت بعد انقلاب عسكري فاشل في عام 2016 ما زالت تمسك بتلابيب البلاد. والحدث الكبير التالي يحل يوم غدٍ الأحد 24 يونيو، حين يصوت الأتراك على الرئيس والبرلمان التاليين. والرهانات مرتفعة كما كان الحال دوماً بالنسبة لأردوغان وخصومه. فإذا فاز فإنه سيضطلع بسلطات رئاسة تنفيذية موسعة أضافها الاستفتاء الذي تم القتال عليه بضراوة عام 2017. وبعد عقد ونصف من البقاء في السلطة، أصبح أردوغان أهم سياسي تركي منذ مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة. لكن منتقديه يخشون موت الديمقراطية الضعيفة وتعزيز سلطوية صريحة في تركيا. وهناك عدد كبير من المحللين يرون أن تركيا في ظل ولاية أردوغان تعد مثالاً بارزاً على إمكانية تراجع الديمقراطية وإفساح الطريق أمام هيمنة مسممة للأغلبية. وأردوغان سياسي داهية حافظ على حكمه بتعبئة نمط من القومية الدينية المثير للشقاق لكنه فاعل. ووجه غضبه نحو شبكة هائلة من الأعداء المفترضين في الخارج بدءاً من حكومات غربية وجماعة كردية انفصالية إرهابية، وانتهاء برجل دين عجوز يعيش منفياً في بنسلفانيا. ويستطيع أردوغان شن حملته الانتخابية على أساس سجل الرخاء الاقتصادي والتنمية، لكن الاقتصاد التركي يترنح بشدة. ويرى «أتيلا يسيلادا» المحلل في شركة «جلوبال سورس بارتنرز» التي تتخذ من اسطنبول مقراً أن «سنوات السياسات غير المسؤولة أضرت بالاقتصاد التركي». وحسب كريم فهيم مدير مكتب «واشنطن بوست» في اسطنبول، فإن زعماء المعارضة أشاروا أيضاً إلى أرقام مشجعة في استطلاعات الرأي تعكس سأم الناخبين من الرئيس بعد سنوات قليلة مضطربة في تركيا تميزت بتصاعد التوترات مع بعض حلفاء البلاد في «الناتو» وبتصاعد الاستقطاب الاجتماعي في الداخل. هذه النتائج تشير إلى انتصار محتمل للمعارضة إنْ لم يكن في السباق الرئاسي، فسيكون في البرلمان، حيث يأملون انتزاع الأغلبية التي يتمتع بها حزب «العدالة والتنمية» الذي ينتمي إليه أردوغان. ومتحدو أردوغان أقوى هذا العام بفضل الرياح السياسية وظهور تحالف معارضة يتضمن ليس فقط اليساريين والأقليات الدينية والعلمانيين، بل أيضاً قوميين من الجناح اليميني ومسلمين متمسكين بالدين. وخصم أردوغان الرئيسي في السباق الرئاسي هو «محرم اينجه» من حزب «الشعب الجمهوري» الوسطى الذي ارتبط على مدار عقود بالعلمانية الشديدة وبقمع الأقليات العرقية على يد الدولة التركية. وعمل «اينجه»، وهو معلم سابق في مدرسة، جاهداً كي يبدد الصورة النمطية عنه ويدافع عن مستقبل أكثر احتواء للجميع. ويرى المنافسون أن أردوغان يعرقل تقدم البلاد بخلافاته مع الاتحاد الأوروبي و«الناتو» وقيامه بإجراءات تضر بالعملة التركية. وصرح المرشح الرئاسي الإسلامي «تمل كرم الله أوغلو» لصحيفة «جارديان» أن «السياسات التي يتبعها أردوغان أو حكومته لا تساعد تركيا على الوقوف على قدميها في كل المجالات والسياسات تقريباً، سواء كانت السياسات الاقتصادية أو الخارجية». لكن عمر تسابينار من معهد بروكينجز يحذر من أن رسالة المعارضة الرئيسية تقتصر على السأم من أردوغان وأنه يمثل الماضي، وأضاف: «ربما أجدت هذه الرسالة نفعاً لو كان أردوغان في الثمانين من العمر. لكن أردوغان مازال قوة يحسب لها حساب رغم نقاط ضعفه». وتجدر الإشارة إلى أن كل الأنظار كانت موجهة إلى أصوات الأكراد في انتخابات عام 2015. ويمثل الأكراد 20 في المئة من سكان البلاد، وأردوغان حصل على دعم هائل ذات يوم من الناخبين الأكراد أصحاب العقلية الدينية، بعد أن خفف القيود على الحقوق الثقافية للأكراد. لكن استئناف الصراع مع الجماعات الكردية المسلحة في تركيا وسوريا والعراق أضعف هذا الدعم، في الوقت الذي تضطهد فيه حكومته حزب «الشعب الديمقراطي» اليساري المؤيد للأكراد الذي تتهمه أنقرة بالتواطؤ مع ميليشيات كردية محظورة. *كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»