علامات الاستفهام تحوم في ذهن القارئ الكريم فيما يتعلق بعنوان المقال، وما يشوبه من غموض ملحوظ. ولعل التساؤل الأهم هنا هو: ما لذي قيل في الأساس حتى يأتي لاحقاً الرد؟ ومن الذي بادر بالقول أو الفعل حتى يأتي الرد من الطرف الآخر؟ نسير مع القارئ الكريم في السطور القادمة، والتي سنستشف من خلالها ما وراء عنوان المقال. بعد أن ورط نظام الحمدين قطر وأهلنا فيها وأبعدهما عن عمقهما ومحيطهما الطبيعي، لاحت في الأفق فرصة للنظام الإيراني من أجل ممارسة هواية الاصطياد في الماء العكر المفضلة لديه، وهو الذي لم ينفك يسعى إلى إحداث الشرخ داخل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية. لكن ما الذي يحدث؟ يتقدم النظام الإيراني، يفتح ذراعيه لنظام الحمدين، ويعلن وقوفه مع قطر. مع من؟ مع قطر، نعم قطر التي كان بالأمس، والأمس القريب جداً، يصفها بالحقيرة ويتهمها بدعم الإرهاب. ضد من؟ ضد سند العرب، ضد الشقيق الأكبر، ضد الحامي الذي يقف سداً منيعاً في وجه النظام الإيراني وتدخلاته في المنطقة.. ضد المملكة العربية السعودية. لعل أحد القراء يتساءل: ألا تبالغ فيما ذكرته حول موقف النظام الإيراني من قطر؟ يلتفت إليه أحد القراء مستذكراً معنا ما قاله رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، ونصه: «إننا لا نتساهل في مواجهة دول كبرى مثل بريطانيا وأميركا.. فكيف إزاء دولة صغيرة وحقيرة مثل قطر». نتقدم لأهلنا الشرفاء في قطر، ليس بغية الإحراج من خلال التذكير بهذا التصريح الذي لا يليق بهم، ولكن كما يقول أحد القراء فإنه لزام علينا أن نبين الحقيقة. إذا كان ذلك هو منظور النظام الإيراني لقطر، فحري بالنظام القطري أن يحفظ لقطر وأهلنا فيها على كرامتهم. فكيف هو الحال؟ «إيران دولة شريفة»، هذا ما قاله مندوب قطر في الجامعة العربية. نترك للقارئ الكريم عقد المقارنة بين المنظور القطري للنظام الإيراني والمنظور الإيراني لقطر. لكن، لنكن منصفين ونترك مساحة للتفكير، أليس النظام الإيراني بالشريف؟ ألا يكفي أن نستدل على ذلك بتصريح الرئيس التنفيذي للمطارات والملاحة الجوية في إيران، «رحمت إله مه آبادي»، بقوله: «إيران فتحت أجواءها لخطوط الطيران القطري مجاناً ودون تحقيق أي إيرادات مالية». إذن النظام الإيراني نظام شريف؟ مهلاً يا قارئ هذه السطور، تريث معي قليلا حتى نكمل ما قاله «آبادي»، حيث ختم حديثه بالقول: «ونأمل أن تحفظ قطر هذا الجميل في المستقبل». اتضحت الآن بعض ملامح ما وراء عنوان المقال، يقول أحد القراء. فالذي قيل في الأساس هو أن يحفظ النظام القطري الجميل الذي يقدمه له النظام الإيراني. فالمرسل هو النظام الإيراني، ويتبقى أن نعرف كيف جاء الرد القطري. بوادر «رد الجميل» تجلت في تناغم نظام الحمدين مع النظام الإيراني حول تدويل الحرمين. البعض يقول إننا في هذه نتجنى على النظام القطري (!) مستدلاً على ذلك بأن وزير الخارجية القطري قال إنه لا يوجد أحد من المسؤولين القطريين تحدث عن تدويل الحرمين! يبتسم أحد القراء قائلاً: الحريص فعلاً على عدم إثارة موضوع تدويل الحرمين لا يطلق العنان لإعلامه، لكي يبحث عن كل شاردة وواردة ويبرز تصريحات وبيانات لهيئات مغمورة معدومة المعرفة لتتحدث عن «تدويل الحرمين» وتنتقد المملكة العربية السعودية في إدارة الحج، بالاعتماد على أكاذيب وحجج ملفقة. في كل الأحوال، يضيف أحد القراء، إن من يريد أن تعلن السعودية الحرب عليه فليسر في غيه ويتمادى في حديث المغرض عن «تدويل الحرمين»، هذا ما قاله وزير الخارجية السعودي. من الشواهد الأخرى على تناغم نظام الحمدين مع النظام الإيراني تماهي إعلام الطرفين في التعاطي مع التطورات الخيرة في اليمن والنجاحات التي تحققها الشرعية مدعومة بالتحالف العربي، وتحديداً في الحديدة وجبهة الساحل الغربي عموماً. القارئ الكريم ينتظر فك طلاسم عبارة «وجاء الرد». يوم الثلاثاء الماضي جرى اتصال بين أمير قطر والرئيس الإيراني. يقول أمير قطر في ذلك الاتصال إنه «يتابع شخصياً ملف تطوير العلاقات مع إيران». وهنا يذكرنا أحد القراء بأنه ومنذ أن ورط نظام الحمدين قطر وأهلنا فيها وأبعداهما عن امتدادهما الطبيعي، جرت اتصالات بين الطرفين في كل عيد. ففي عيد الفطر الماضي، أعلن أمير قطر أن نظام الحمدين يريد تطوير العلاقات الشاملة مع إيران. وفي عيد الأضحى أعلن نظام الحمدين على لسان أمير قطر أن النظام يريد تعميق وتقوية العلاقات مع إيران في كافة المجالات. ويأتي عيد الفطر الأخير ليؤكد نظام الحمدين -والرد يأتي هنا -على أنه لن ينسى أبداً موقف النظام الإيراني من الأزمة. النظام الإيراني الذي يصف قطر بـ«الحقيرة»، يسعى نظام الحمدين لتعزيز العلاقات معه، بعد أن وصف إيران بـ«الدولة الشريفة».. لكن أهلنا في قطر يستحقون الأفضل. *أكاديمي إماراتي