أعلنت الولايات المتحدة الأميركية خلال مؤتمر صحفي عقده وزير خارجيتها مايك بومبيو، ومندوبتها لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، الانسحاب رسمياً من مجلس حقوق الإنسان، بسبب ما اعتبرته «انحيازاً ضد إسرائيل». وقالت هيلي إن بلادها اتخذت قرار الانسحاب «لأن التزامنا لا يسمح لنا بالبقاء جزءاً من منظمة منافقة تخدم نفسها وتسخر من حقوق الإنسان». وصرح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان رسمي، قائلاً إنه «يفضل بشدة بقاء الولايات المتحدة في المجلس»، ووصف مفوض حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، زيد رعد بن الحسين، الموقف الأميركي بأنه «مخيب للآمال». فيما كان الترحيب الوحيد من جانب إسرائيل التي أشادت بالقرار. وأثار خروج واشنطن من اتفاقية دولية انتقادات وتساؤلات حول مستقبل التنظيم الدولي وتأثير علاقات القوة على أداء المنظمات الدولية في ظل ثنائية المصالح الخاصة والإجماع الدولي.. فما هي تأثيرات الانسحاب الأميركي على دور مجلس حقوق الإنسان؟ إن تسييس قضايا حقوق الإنسان مشكلة ماثلة دائماً، وتسييس مجلس حقوق الإنسان مشكلة مطروحة، لكن الواضح من القرار الأميركي أن مشكلة أميركا هي مع القرارات العديدة للمجلس ضد الاحتلال الإسرائيلي. وقد تأسس مجلس حقوق الإنسان في 15 مارس 2006 ليحل محل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بعد تعرضها لانتقادات كبيرة جراء سماحها لدول ذات سجل ضعيف في مجال حقوق الإنسان بالانضمام لعضويتها. ويتألف المجلس من 47 دولة، تنتخبها الجمعية العامة للأمم المتحدة، تجتمع ثلاث مرات سنوياً بغية مراجعة سجلات حقوق الإنسان لجميع دول الأمم المتحدة، فيما يعرف بآلية «الاستعراض الدوري الشامل». وإضافة إلى تناول انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها، يعد البند الخاص بـ«الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية» بنداً حاضراً في كافة اجتماعات المجلس، ولطالما صوت المجلس على قرارات تدين إسرائيل. وكانت الولايات المتحدة قد قاطعت مجلس حقوق الإنسان عند تأسيسه عام 2006، أيام إدارة بوش، لتعود وتنضم إليه في عهد الرئيس أوباما عام 2009. ولا يعد قرار إدارة ترامب بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان معزولا عن سلسلة قرارات أميركية مشابهة، إذ سبق وانسحبت واشنطن من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، كما خفّضت مساهمتها في موازنة الأمم المتحدة، وانسحبت من اتفاق باريس للمناخ، وغيرها من اتفاقيات ثنائية ومتعددة، مما يعكس رؤيتها لدورها عالمياً. ورغم الرؤية التشاؤمية للبعض من أن انسحاب الولايات المتحدة من الهيئات والمنظمات الدولية له تأثيرات سلبية، مالية وسياسية، على هذه المنظمات، وعلى تماسك وفعالية النظام الدولي نفسه، فالأخطر من ذلك هو سيطرة قانون القوة في العلاقات الدولية، لاسيما على مستوى الهيئات والمنظمات الدولية. إن الانسحابات الأميركية المتتالية من شأنها تغيير قواعد اللعبة الدولية على مستوى الهيئات والمنظمات لصالح إعادة النظر في بنيتها عبر إحداث قفزة للأمام والبناء على ما تأسس عبر عقود من الاتفاقيات متعددة الأطراف بغية إيجاد تنظيم دولي جديد يستند على إرادة 193 دولة مقابل قوة دولية تستند لرؤية أحادية لمصالحها الدولية، ومتى ما تعارضت مصالحها مع الأغلبية العالمية هددت بالانسحاب أو انسحبت بالفعل. تستطيع دول العالم أن تثبت بأن خروج الولايات المتحدة من التنظيم الدولي المتوافق عليه عالمياً والقائم على المنظمات والهيئات الدولية، لن يؤدي إلى انهيارها بل سيخلق تحديات مالية وسياسية من شأنها أن تقوي هذه المنظمات، سواء بالبحث عن تمويلات جديدة أو عبر إعادة النظر في أطرها الإدارية. فالدفاع عن حقوق الإنسان والقضايا الإنسانية يتجاوز الأجندات اللحظية للدول نحو ترسيخ قيم إنسانية تتوافق عليها البشرية؛ كرفض الظلم والاحتلال. *كاتبة إماراتية