منذ ثلاث سنوات خلت( 2015) صدر كتاب قيّم من جزأين تحت عنوان «الشِّرْعَة والمِنْهَاج.. نافذة للعرف على الإسلام من مصدره» للكاتب السعودي «ابن قرناس»، وهو من أهم الكتب ـ في نظري ـ التي يمكن أن يؤسس عليها اليوم مشروعاً تغييرا للعالم الإسلامي، خاصة الجانب العربي منه، وقد سبق للكاتب أن ألَّف كُتُبا أخرى، على نفس أهمية كتابه الموسوعي«الشرعة والمنهاج»، لكن هذا الأخير سيظل علامة دالة وفارقة في تاريخنا المعاصر للتعامل مع كتاب الله تدبُّراً وقراءةً، وما يتبع ذلك من تغيير على مستوى التفكير، وعلى مستوى الفِعْلَيْن السياسي والاجتماعي. بعيداً عن التصنيف، حيث إنني أعتبر«ابن قرناس» مُجدِّدا وأحد أقطاب المدرسة العقلانية لقراءة تراثنا الديني ــ مع أنه شخصية مبهمة للمهتمين، بما في ذلك كثير من عناصر النخبة السعودية، وفكره محل مساءلة من عدة مدارس دينية في العالم للإسلامي ــ فإن مؤلفات ابن قرناس وغيره من أولئك المجددين، تعد فلسفات يستند إليها التغيير على النحو الذي نراه اليوم في السعودية، علما أن ابن قرناس وغير من الباحثين الجادين والمجددين، يجدون صعوبة على ثلاث مستويات، أولها: ذاتي يتعلق بهم، يتمثل في عجزهم عن توصيل أفكارهم على نطاق واسع، وثانيها: مؤسساتي، حيث ترفض المؤسسات الرسمية تبني أفكارهم، لأنهم ـ كما تقول ـ يطرحون في الغالب رؤى ونظريات تحرك المياه الراكدة في المجتمعات العربية، مما قد يسهم في حدوث سخط سياسي في المساحة المشتركة بين الديني والسلطوي، أو تؤدي أفكارهم إلى رفض اجتماعي في فضاء الثوابت والمتغيرات. وهناك صعوبة ثالثة، أهم وأكبر وأشد، يمكن تسميتها بـ«النخبوية»، تتعلق بالرفض المسبق من عناصر النخبة، الرافضة لأطروحات أي فريق مجدد، لذلك هي لا تصغي إليه، بحجة واهية، مفادها: أن المنظرين الجدد أمثال: ابن قرناس وغيره، يحملون رؤى وتصورات تبدو في ظاهرها دفاعا عن اليقين، ولكن في باطنها تكريس للنفور الذي يؤدي في أحيان كثيرة إلى الظن ثم الشك، ثم إلى صراع النقائض والأضداد، وهذا الرفض لأي فكر جديد يتناقض مع الاختلاف والتدافع بالمعنى العَقَدِي. الصعوبات الثلاث السابقة ـ الذاتية والمؤسساتية والنخبوية ـ لن تَحُول دون حدوث التغيير، لكنها قد تُعطِّلُهُ أو تُغيِّر مساره إن استطاعت، أو تحول دون تحقيقه لأهدافه، ولكي نتجنب كل هذا علينا أن نأتي إلى كلمة سواء بيننا، وهي: أن ندخل في حوار مباشر دون أحكام مسبقة، ذلك لأن المشاريع الفكرية الجديدة المطروحة اليوم على مستوى دولنا وخاصة في السعودية تحتاج إلى التأمل والدراسة والتفاعل، وإذا نظرنا إليها من زاوية إعداد أرضية للتغيير، فسنكون ضمن الأمم التي تنتج أفكارا إيجابية، والأكثر من هذا سينظر لكل تغيير عندنا من زاوية عالم الأفكار. بَعْد هذا كُلّه، ينتهي بنا القول إلى: إن الحديث من زاوية من المدح أو الاستعراض أو حتى النقد للتجربة السعودية في التغيير الحاصل اليوم، حتى لو كان ذلك لدعمها وقبولها أو تقليدها، لابد أن يضع في الحساب الأفكار الجادة هناك، والتي لا تنطلق من الواقع الحالي، وتُراهن على التغيير في الذهنيَّات من خلال أمرين: أولها: تدبُّر القرآن، وثانيهما: القراءة الواعية للتراث، وهو ما تقوم به اليوم عناصر النخبة السعودية، وبناء عليه، فإن الوقت أَزِف لمتابعة ما تكتب، بما قد يشي بأن الغد السعودي فكرياً، سيكون أيضاً غداً عربياً لمن أراد التَّغيير.