بولندا مستعدة لإنفاق 1.5 مليار إلى 2 مليار دولار من أجل إقناع الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية دائمة هناك، وفق مقترح لوزارة الدفاع. ويقدم المخطط حوافز قوية للولايات المتحدة لكي تبحث إمكانية نقل على الأقل بعض قواتها من ألمانيا، وخاصة أن نشر قواتها هناك لم يعد منطقياً من الناحية العسكرية. فإقامة قواعد أميركية في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية كان رداً على حاجة لردع هجوم سوفييتي، ولمنع ألمانيا من أن تشكّل تهديداً عسكرياً من جديد. هذا الهدف الأخير يبدو أنه لم يعد مطروحا اليوم على اعتبار أن زيادة الإنفاق العسكري شيء لا يحظى بالشعبية بين الناخبين الألمان، والحكومة لا ترغب في زيادة ميزانتيها المخصصة للدفاع إلى الـ2 في المئة من الإنتاج الاقتصادي التي يشترطها حلف «الناتو»، فمستوى الإنفاق المقترح للسنة القادمة هو 1.3 في المئة. وإضافة إلى ذلك، فإن خط الجبهة النظري في نزاع بين روسيا و«الناتو» لم يعد يمر عبر ألمانيا، التي تفصلها اليوم عن روسيا عدد من البلدان، مثل دول البلطيق وبولندا، ثم إن ألمانيا تشعر بالأمان، وهي الأقل ميلاً إلى الدفاع عن حليف في «الناتو» ضد هجوم روسي. ومن جهة أخرى، فإن نشر قوات أميركية في بولندا من شأنه خدمة هدف استراتيجي، إذ تحاجج وزارة الدفاع بأن من شأنه أن يساعد على الدفاع عن «ممر سوفالكي»، وهو عبارة عن منطقة حدودية ضيقة وهشة جداً بين كالينينجراد الروسية والحدود البيلاروسية تلتقي عنده بولندا وليتوانيا. والحقيقة أن القواعد العسكرية الأميركية في بلدان أخرى لم تعد مجدية اليوم، ذلك أن أي نزاع كبير في أوروبا أو الشرق الأوسط سيقتضي إرسال جنود من الولايات المتحدة، والذي سيتم بنفس سرعة إرسال جنود من القواعد الألمانية تقريبا. ولكن بعض حلفاء الولايات المتحدة يرغبون حقا في أن يوفر الوجود الأميركي شعورا بالأمن. وهذه البلدان لا تمانع من أن تتحمل تكاليف إضافية: فبولندا وإستونيا تنفقان أصلا أكثر من 2 في المئة من إنتاجهما الاقتصادي على الدفاع، ولاتفيا وليتوانيا أقرب إلى روسيا منها إلى ألمانيا، ثم إنه من المستبعد أن تقوم أي من هذه البلدان بأي شيء قد يعرّض الولايات المتحدة لخطر التورط في نزاع. فالأكيد أنهما لن تقوما بمهاجمة روسيا أولاً، لا بل ولا حتى باستفزازها، وذلك على اعتبار أنه سواء مع وجود جنود أميركيين أو من دونهم، فإن أي حرب ستكون مدمرة لها. والواقع أن ثمة حججاً ضد الخطوة أيضاً. ذلك أن روسيا ليس لديها أي شيء لتكسبه من خلال غزو دول البلطيق أو بولندا. وأي فوائد ممكنة لمحاولة السيطرة على دول فقيرة الموارد وذات شعوب معادية عموماً تبهت أمام خطر حرب شاملة مع «الناتو». وعلاوة على ذلك، فإن الكريملن سيعترض بقوة على نقل القواعد الأميركية من ألمانيا إلى بولندا، وسيندد بها باعتبارها انتهاكاً آخر للوعود الغربية بعدم توسيع «الناتو» إلى حدود روسيا. بيد أنه ليس ثمة شيء تستطيع روسيا القيام بها للرد على ذلك، فقد سبق لها أن قبلت بنشر مؤقت لقوات «الناتو» في البلطيق وبولندا. وبالتالي، فإن الولايات المتحدة ليست مرشحة لخسارة أي شيء إن قبلت بمقترح بولندا السخي، ونقلت جنوداً إلى هناك من ألمانيا بشكل تدريجي. ولا شك أن خطوة من هذا القبيل ستكون منسجمة مع الأهداف الأميركية المعلَنة، مثل ردع روسيا. كما أن من شأنها السماح للولايات المتحدة بدعم حليف يتوق إلى توطيد علاقاته العسكرية معها. *محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»