بقت «درعا» آخر قلاع المقاومة الذاتية ضد النظام في سوريا التي خلت من غالبية الشعب المهجر في أصقاع الأرض. أهل «درعا» الذين هجروا إلى طرق أبواب الأردن أقرب مجير وقت الرمضاء من نار الحرب المشتعلة منذ أكثر من سبع سنوات، وقد تعذر على الجار بالجنب استقبال قرابة 300 ألف من الفارين، بسبب ضيق ذات اليد أولاً، وعدم إيفاء العالم العربي والغربي بدفع الاستحقاقات المالية التي وعدت بها للتخفيف من معاناة أكثر من مليوني لاجئ سوري دخلوا إلى الأردن، أي ما يقارب ربع إجمالي السكان في زمن قياسي من عمر الهجرات في العالم. لقد بدأ النظام السوري بالخطوة الأولى في «درعا» لترويع السكان أبشع مما فعلته «داعش»، الذي يزعم النظام والعالم أجمع محاربته. لقد أخذ النظام قرابة ألف وخمسمائة شخص كعينة عشوائية يجرب فيهم في وقت واحد ما لا يخطر على بال أي حيوان متمرس في الفتك والافتراس. فمنهم من يصب مِن فوق رؤوسهم حميم الوقود ليذكرنا بأصحاب الأخدود، وآخرون تُغتصب نساؤهم وبناتهم أمام أعين الأزواج والإخوة والأخوات، وأطفال يقتلون كالكبار والمسنين بلا ذنب ولا جريرة. وفي مكان لم يدخل إليه «داعشي» ولا «قاعدي» ولا «نُصري»، فمن إذاً الإرهابي في «درعا» التي لم تجن يداها ما جنت أيدي شبيحة النظام في زمن الحطام وتراكم الركام على جثث وأشلاء الأبرياء بعد إحالتهم إلى رميم العظام. بهذا الأسلوب يرعب ذكور النظام وليس رجاله أهل «درعا»، هذا الإرهاب من الدولة لا يقارن بمدافعة أهل «درعا» عن أنفسهم ضد هذا الظلم المركب من نظام لم يُفرق في القتل والسحل بين الرضيع والفطيم واليتيم، فكلهم يُدعُون إلى نار النظام دعا في «درعا». ومن الحجج الساخرة للنظام في استمرار بطشه هو أن أهل «درعا» يستعينون بإسرائيل وإحدى الدول العربية ضده في معركته لاستعادة سوريا من أيدي الإرهابيين. كيف نضحك والبكاء وعويل النساء مع صراخ الأطفال سيد الموقف، في الوقت الذي تقوم الطائرات الإسرائيلية بقصف أهداف في قلب دمشق، فلم تصِب رصاصة سورية دجاجة إسرائيلية، فضلاً عن قتل جندي واحد ولو خطأ بنيران صديقة. فأسود سوريا وروسيا وإيران و«حزب الله» لبنان ضاقت بهم سبل الأرض، ولم يجدوا ما يسدوا به رمقهم وجوعتهم إلا سكان «درعا» وأكل لحومهم وسلخ جلودهم وحرقها ببراميل البارود مثلهم مثل أكثر من نصف مليون سوري من الذين قتلوا تقتيلاً وقطعوا تقطيعاً، لا يعرف لهم رماداً ولا أثراً، أو يكتشفوا بعد قرون آثاراً للأمم في القرون المقبلة. «درعا» تدافع عن نفسها من ذئاب الحرس الثوري الإيراني وميليشات «حزب الله» اللبناني، المصرح لهم من قبل النظام لممارسة الإفساد في بر وبحر سوريا بالمطلق. وزاد الكيل عليهم قوات النظام، والقوات الروسية التي تزيد الطين بلة والوطن علّة. لقد غيّر النظام السوري مفهوم الإرهاب لمحاربته حتى في الأماكن التي لم تصل إليها أيدي «داعش»، ووسَّع دائرة الإرهاب لتشمل كل من يخالف أو يعارض النظام ولو ببنت شفة. سوريا بلا قرار ولا استقرار، وإن ادَّعى بأن جيوش النظام «الباسلة» يستقبلها ربع الشعب المحاصر بالأحضان بعد أن روتها بالأحزان. روسيا وإيران وبعض ممثلي الاتحاد الأوروبي في طهران يضعون بصماتهم ولمساتهم الحانية على مسودة الدستور السوري الجديد والمستورد من الخارج. أما «درعا»، فليس لها إلا أن تجعل من نفسها درعاً بشرية لصد الجيوش المجيشة ضدها في قابل الأيام، ولا تسلم نفسها لنظام سلم نفسه للخارج الذي يقاتل به الداخل بلا فواصل. هل تنقذ الوساطة الأردنية قلعة «درعا» من السقوط أو الاحتراق، نأمل في ذلك قبل خراب «بصرة» أخرى من «بصرات» العرب العديدة.