بدأت الدولة الصهيونية عام 2018 تتصرف على قاعدة الزهو بكونها على وشك تحقيق «النصر النهائي» في الحرب الدائرة منذ قرن أو يزيد. وما كان لهذا الزهو، بل الغرور، أن يسود لولا الإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب، والتي تساير حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث تستغل هذه الأخيرة كل «الهدايا» المقدمة من واشنطن، الأمر الذي جعل الوقاحة الإسرائيلية هي العنوان الأبرز في التعامل مع جل القضايا، ليس فيما يخص الفلسطينيين فحسب، ولا فيما يخص العرب فقط، بل أيضاً فيما يخص دولاً لها وزنها في العالم! وقد أفاد تقرير صادر عن حركة «السلام الآن» بارتفاع ملحوظ في حركة الاستيطان بالأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الفترة المنقضية من عمر الإدارة الأميركية الحالية. وقد عُقد في تل أبيب، برعاية الحكومة الإسرائيلية، اجتماع تأسيسي لإقامة منظمة إسرائيلية جديدة باسم «الائتلاف من أجل الجولان»، تهدف إلى الدفع قدماً نحو نيل الاعتراف العالمي بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة. وقال المبادر إلى الاجتماع، وهو «تسفي هاوزر» سكرتير الحكومة الإسرائيلية بين عامي 2009 و2013 والمقرب من نتنياهو، قال: «الوقت الحالي يُعتبر الأنسب للعمل مع إدارة الرئيس ترامب، صديقة إسرائيل، لإلغاء إمكان مطالبتنا بالانسحاب من هضبة الجولان. ومع حسم الحرب الأهلية في سوريا، ستسعى الدول العظمى للتوصل إلى تسويات، وهناك خوف من أن يُطلب من إسرائيل أن تساهم في تحقيق هذا الهدف عن طريق الانسحاب من هضبة الجولان». ورغم تضاعف جهود «نزع الشرعية» عن إسرائيل، ونشاط «الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل» (‏BDS)?، ?وتحذير ?بعض ?المسؤولين ?الإسرائيليين ?من ?أن ?يكون ?عام ?2018 ?عام ?بدء ?تحقيق ?محكمة ?الجنايات ?الدولية ?(في لاهاي) حول ?الشكاوى ?المقدمة ?منذ ?ثلاث ?سنوات ?حول ?الحرب ?على ?قطاع ?غزة ?وحول البناء ?المتواصل ?للمستوطنات (وفق ?تحذيرات ?الصحافة ?الإسرائيلية، ?وما ?رشح ?عن ?اجتماع ?مجلس ?الأمن ?القومي ?الإسرائيلي ?مع ?أعضاء ?لجنة ?الخارجية ?والأمن ?في ?الكنيست)، ?فإن ?ممارسات ?الدولة ?الصهيونية ?اليمينية ?العارية ?بقبحها ?لم ?تعد ?خافية ?على ?أحد، ?حيث ?تتابع «?إسرائيل» ?نهجها، ?واثقةً ?من قدرتها على ?إفشال ?فتح أي ?تحقيق ?ضد ?مسؤولين ?عسكريين ?وسياسيين ?إسرائيليين، وعلى منع ?إصدار أية ?أوامر ?اعتقال ?واستدعاء ?من ?أجل ?التحقيق. وبالمقابل، يقول الكاتب اليساري «كوبي نيف»: «بعد سبعين سنة من عمر الدولة، في العلاقة بين الاشكناز والشرقيين، في الوقت الذي نشاهد فيه أننا جميعاً أخوة، يهود بالدم والسلاح، فأي أمل يمكن أن يكون لنا ذات يوم في المستقبل المنظور في أن نصل إلى حوار حقيقي، وليس التحدث عن السلام والمساواة، مع إخواننا وأبناء بلادنا الفلسطينيين؟ إنه من دون قبولهم، سنعيش هنا إلى الأبد على حد السيوف، حتى لو أصبحت سيوفاً نووية مع بريق متألق، حتى نصبح ضحايا ويحل علينا الخراب». ? وفي ?السياق ذاته، ?يقول ?الكاتب ?التقدمي ?الجريء «جدعون ?ليفي»: «?الوقاحة ?الإسرائيلية ?ربما ?لم ?تصل ?إلى ?نهايتها. ?ربما ?يأتي ?الخير ?من ?الشر، ?وتدرك ?إسرائيل ?حقيقة ?أنها ?لا ?تستطيع ?السيطرة، ?وحتى ?لا ?تستطيع ?أن ?تعيش ?إلى ?الأبد ?فقط ?على ?حد ?السيف، ?ولا ?على ?طائراتها ?المتقدمة. ?لقد ?تم ?اعتراض ?العقيدة ?التي ?تقول ?إن ?كل ?شيء ?يمكن ?أن ?يحل ?بالقوة، ?يجب ?الحل ?من ?خلال ?القوة، ?قبل ?كل ?شيء ?بالقوة، ?دائماً ?بالقوة ?وفقط ?بالقوة»?. ?ثم يختم: «?الوقاحة ?تجبي ?ثمناً»! غير أن ما يلفت النظر أكثر هو كون الدولة الصهيونية التي تتمتع اليوم بهامش حركة واسع غير متوفر لأية دولة أخرى في العالم، إذ ترتكب ما تشاء من جرائم دون حساب أو عقاب أو حتى خوف من المستقبل المجهول.. باتت بتلك الممارسات تثير مخاوف رؤساء سابقين لجهاز «الموساد» حيال مستقبل الدولة الصهيونية ذاتها، بل تثير لديهم الخوف الشديد من الاتجاه الذي تسلكه في بداية العقد الثامن من عمرها. ?فعشية الذكرى السبعين لـ «?الاستقلال» (?النكبة)، ?جمعت ?صحيفة «?يديعوت ?أحرونوت» ?ستة ?رؤساء ?سابقين لـ «?الموساد» ?تحدثوا ?عن ?الركود ?السياسي ?والخوف ?من ?الخلافات ?والانقسامات ?الاجتماعية ?والقلق ?على ?مستقبل ?الدولة، ?وأيضاً عن ?القلق ?من ?القيادة ?الإسرائيلية، ?حيث ?أجمعوا ?على ?أن «?شيئاً ?سيئاً ?للغاية قد ?حدث»?. ?وقد ?شارك ?في المقابلة ?المطولة ?رؤساء ?سابقون ?للموساد ?وهم «تسفي ?زمير»، و«ناحوم ?أدموني»، و«شابتاي ?شافيت»، و«داني ?ياتوم»، و«إفريام ?هليفي»، ?و«تامير ?باردو». ?وحول ?استخلاصات المقابلة، ?يقول باردو: «?المشكلة ?تتعلق ?بقيم ?الخلافات، ?نحن ?بحاجة ?إلى ?قيادة ?قادرة ?على ?التنقل ?بين ?الأزمات ?والأماكن ?الصحيحة، ?لكنها للأسف غير ?موجودة ?اليوم»?. ?أما (?زامير) ?فيقول: «?حيث ?تسود ?المصالح ?العامة ?على ?المصالح ?الشخصية ?لمزيد ?من ?القوة ?والمزيد ?من ?الأموال، ?أشعر ?بالقلق ?بشأن ?المستقبل. ?البلد ?مريض، ?نحن ?في ?حالة ?صحية ?يرثى ?لها، ?ربما ?يكون ?نتنياهو ?قد ?تسلم ?(البلاد)، ?وهي ?تعاني ?من ?أعراض ?مرضية، ?لكنه ?أوصلها ?إلى ?الحالة ?الخطيرة ?لمرض ?خبيث»?. ? ومن ?جانبه، ?يقول هاليفي: «?لا ?شك ?أن ?نتنياهو ?ذكي ?جداً، ?لكن ?ارتباطه ?بين ?الحاجة ?إلى ?العناوين ?الرئيسة ?وانشغاله ?بصورته ?العامة ?وإدارة ?شؤون ?الدولة ?والأمن ?هو ?إشكالي»?. ?ويقول ياتوم: «?نحن ?على ?منحدر ?شديد ?الانحدار. ?ثمة ?رمال ?سيئة ?للغاية»?. ?أما أدموني ?الذي ?يسيطر ?عليه ?قلق ?قوي ?من ?الانقسامات ?في ?المجتمع ?الإسرائيلي، ?فيقول: «?الانقسامات ?أقوى ?الآن ?من ?أي ?وقت ?آخر، ?الشرخ ?بين ?المتدينين ?والعلمانيين ?والشرقيين ?والإشكناز، ?والمتواصل ?لسنوات عدة ?وحتى ?الآن، ?لم ?نعجز عن ?تقليصه ?فحسب، ?بل ?نراه ?ينمو ?ويتسع ?يومياً دون التحرك لتضييقه»?. ?ويختم شافيت: «?كأفراد ?في ?أجهزة ?الاستخبارات، ?فإن ?أهم ?قدراتنا ?هي ?التوقع ?والتنبؤ ?بالمستقبل، ?لذا ?أسأل ?نفسي: ?أي ?بلد ?سأتركه ?لأحفادي؟ ?لا ?أستطيع ?إعطاء ?إجابة»!