هناك بعض النغمات تتردد عبر التاريخ، مثل التباين بين أثينا والقدس. وهذا التباين له عدة معان، أوثقها صلة بوقتنا الحالي هو التباين بين القيم التنافسية والقيم التعاطفية. ففي أثنيا، يمثل «أخيل» القيم التنافسية، مثل القوة وشدة المراس والقدرة على أن تجندل عدوك وتفوز بشهرة أبدية. وفي القدس، مثّل قديماً موسى وعيسى قيماً تعاونية، مثل التواضع والحب والإيمان والكياسة والصفح. هاتان المجموعتان من الفضائل تنقلهما صيغ أدبية مختلفة. فالفضائل التنافسية يجري سردها عادة في أسطورة، بينما القيم التعاطفية يجري سردها في صورة أُمثولة. والأسطورة تجري عادةً في عالم محفوف بالمخاطر بلا زمن. وقواعد العالم المحفوف بالمخاطر مختلفة عن قواعد العالم المألوف. والمخلوقات لها قوى مختلفة، مثل القدرة على الطيران وتسخير البرق. وداخل العالم المحفوف بالمخاطر، كل شيء يحدث «حقيقي»، بمعنى أن كل شيء يخضع لقواعد هذا العالم. والأساطير تستجيب لحاجتنا للقيام بعمل بطولي. وسواء أكان البطل «زيوس» أو «ثور»، أو «لوك سكايوولكر» أو «واندر وومان».. فإن الأساطير تتبع نمطاً معيناً من النزاع أو القتال البطولي. أما الأمثولة فتجري عادة في زمن عادي وفي عالم الواقع، وبها شخصيات بشرية عادية ليسوا أبطالاً خارقين للطبيعة. والأمثولة مقصود بها التعليم، وهي تمثل حاجتنا الشديدة لأن نكون في علاقة وثيقة. الأساطير تحتفي بالعظمة والتفوق البطولي، بينما تجنح الأمثولة لكشف زيف التفوق، وتحتفي بالتواضع وبخدمة الآخرين. لكننا الآن محاطون بالأسطورة، والقيم التنافسية باتت تملأ الساحة، بينما الدين القائم على الأمثولة تقلص من الساحة العامة. وأصبح لدينا ثلاث صيغ شائعة بشكل مذهل اليوم للأسطورة؛ الأولى هي أفلام الأساطير مثل «المنتقمون»(Avengers)و«الرجال المختفون» (X-Men) و«حرب النجوم» (Star Wars)و«المتحولون»(Transformers) و«رابطة العدل» (Justice League)وغيرها. ثم هناك ألعاب الفيديو، وهي أكبر بعدة مرات من صناعة الأفلام. والعام الماضي، ذكرت مجلة «رولينج ستون» أن 360 مليون شخص شاهدوا لعبة «ليج أوف ليجيندز» (League of Legends). وأخيراً، هناك الأحداث الرياضة، مثل كأس العالم، فالرياضة تمثل أسطورةً حية، وهي تعطي الناس شعوراً بالبطولة، وهي مسرح تظهر عليه البراعة والشجاعة والقوة. والرياضة مثل الأسطورة، تحدث في عالم محفوف بالمخاطر تُطبق فيه قواعد خاصة. وربما أمكننا القول بأن صحوة أميركا الروحية الرابعة العظيمة جاءت في صورة إحياء للأسطورة. وهناك كثير من الفضائل في النظرة الأسطورية، مثل الوقوف ببطولة في سبيل العدل والإخلاص للأصدقاء والشدة على الأعداء. لكن التاريخ يقدم دروساً مفيدة عن المجتمعات التي اعتمدت على الفضائل التنافسية، فهي مجتمعات تجنح إلى عدم الاهتمام كثيراً بالعلاقات وتعتمد على الروابط الهشة، وتميل لرؤية الحياة كمنافسة أبدية بين قبائل متحاربة، ولأن ترى بأن الخط بين الخير والشر يفصل بين جماعات، وليس كما في الأمثولة، يسير وسط قلب كل إنسان. ونحن أشخاص روحانيون وحياتنا تشكلها الخريطة الأخلاقية والقيم التي نرثها ونتمثلها. وأرى أن مجتمعنا وسياستنا، في الولايات المتحدة، أصبحا يشبهان الروح الأسطورية التنافسية المحيطة بنا في كل مكان. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»