إن تجربة الصين جديرة بالاهتمام والدراسة باعتبارها الدولة الوحيدة التي استطاعت بناء اقتصاد رأسمالي عالمي منذ عام 1978، في ظل نظام حكم مركزي، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وبالتالي فإن التعاون التجاري بين الصين وأي دولة في العالم سيعود بالفائدة بلا ريب على الطرفين. وتعود العلاقات العربية الصينية إلى حقب زمنية قديمة، وتحديداً إلى أكثر من 2000 عام عندما وصلت البضائع الصينية عبر «طريق الحرير» إلى شبه الجزيرة العربية. وكانت الهند حلقة الوصل بين الصين والعرب، إذ كانت السفن الصينية تصل موانئ الهند الغربية منذ العصور القديمة، وفي الوقت نفسه كانت سفن العرب تبحر من موانئ الخليج العربي وساحل اليمن إلى موانئ الهند الغربية وإلى ساحل جنوب الهند، حيث يلتقون هناك بالتجار الصينيين ويحصلون منهم على بضائع الصين ويبيعونهم بضائع الجزيرة العربية الثمينة التي كان من أهمها البخور والعطور والنحاس واللبان واللؤلؤ. وعندما تصل البضائع الصينية إلى موانئ شبه الجزيرة العربية، كان التجار العرب ينقلونها على متن سفنهم وعلى ظهور قوافلهم عبر شبكة من الطرق البرية والبحرية إلى بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين والشام ومصر وساحل الحبشة. واستمرت العلاقات العربية الصينية في التطور حتى بعد دخول الإسلام الصين منذ أواسط القرن السابع للميلاد، وتوسع الدولة الإسلامية التي سيطرت على الأجزاء الكبرى من الفرعين البري والبحري لطريق الحرير. ومؤخراً شهدت العلاقات بين الدول العربية والصين تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي في 2004، والذي ينبثق عنه أكثر من عشر آليات لتعزيز التعاون في شتى المجالات. وقد انعكس ذلك على ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الصين ودول العالم العربي عاماً بعد آخر. ففي عام 2016 سجل إجمالي حجم التجارة بين الصين والدول العربية 171 مليار دولار، ثم ارتفع هذا الرقم في نهاية العام التالي إلى 191 مليار دولار. وقد انعكس تطور العلاقات الصينية العربية على التعاون بين دولة الإمارات العربية المتحدة والصين، لاسيما عقب إعلان إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في نوفمبر 1984. ومن أبرز نتائج العلاقات الإماراتية الصينية؛ إصدار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، توجيهاته ببناء مبنى كلية اللغة العربية بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين، وتأسيس مركز الإمارات العربية المتحدة لتدريس اللغة العربية والدراسات العربية والإسلامية، وقد أصبح مبنى الكلية ومركز الدراسات العربية والإسلامية، صرحاً علمياً مهماً في الصين، أسهم كثيراً في التعريف بالثقافة العربية بين أبناء الشعب الصيني. وقد سار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، على نهج الشيخ زايد، رحمه الله، بهدف تقوية العلاقات بين الدولتين في العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية والتعليمية وغيرها. وإجمالاً تعد العلاقات الثنائية بين الإمارات والصين علاقات متميزة، تقوم على أساس راسخ من الاحترام المتبادل والصداقة والتعاون والمنفعة المشتركة. وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الدولتين بنهاية العام الماضي إلى 53.3 مليار دولار (195.8 مليار درهم)، مقابل 46.3 مليار دولار (169 مليار درهم) بنهاية عام 2016، أي بنمو نسبته 15.1%. ويمتد التعاون بين الدولتين إلى ما وراء النواحي التجارية، ليصل إلى توحيد المواقف حيال العديد من القضايا الدولية الراهنة، مثل التغير المناخي وأمن الطاقة وأمن الغذاء. والملاحظ في العلاقات الإماراتية الصينية اتسامها بالواقعية، ما يجعلها نموذجاً في العلاقات الدولية يقتدى به، إذ تدرك الدولتان أهمية التعاون الثنائي وضرورة تطويره، لما تمتلكانه من عناصر القوة الذاتية، مما يعود بالفائدة على الشعبين الإماراتي والصيني.