هدّد الرئيس الإيراني حسن روحاني أثناء زيارة رسمية لسويسرا، الثلاثاء الماضي، بمنع شحنات النفط من الدول المجاورة إذا ما استجاب العالم لطلب الولايات المتحدة بعدم شراء نفط إيران، وذلك بعد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة مصممة على دفع إيران إلى تغيير سلوكها، عبر وقف صادراتها النفطية كلياً. وسارع قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس»، للتأكيد بأن «الحرس الثوري مستعد لتطبيق سياسة تعرقل صادرات النفط الإقليمية إذا حظرت الولايات المتحدة مبيعات النفط الإيرانية». ثم صعّد قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري الخطاب قائلاً، إن قواته «على استعداد لإغلاق مضيق هرمز إذا لم تستطع إيران بيع نفطها بسبب الضغوط الأميركية». تاريخ التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز ليست بالجديدة، بل بدأت مع استيلاء الخميني على السلطة وتواصلت خلال العقود الماضية، لكن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو الماضي وسعي حكومة ترامب لفرض عقوبات شديدة على إيران، كل ذلك أدى إلى إعلان الحكومة الإيرانية «حربها الكلامية» على واشنطن وحلفائها من الدول الخليجية. ورداً على التهديدات الإيرانية الأخيرة، سارعت الولايات المتحدة للقول بأن بحريتها مستعدة لضمان حرية الملاحة وحركة التجارة، وبأنها وشركاءها «يوفرون ويعززون الأمن والاستقرار في المنطقة، ومستعدون معاً لضمان حرية الملاحة وحركة التجارة حيثما يسمح القانون الدولي». فهل كان الرد الأميركي الصريح والمباشر مناسباً للعقلية الإيرانية؟ نعم، إنه كذلك، لذا سارع البرلمان الإيراني، على لسان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية فيه، حشمت الله فلاحت بيشة، للقول بأن «الرئيس روحاني لم يقصد غلق مضيق هرمز في حال مُنعت إيران من تصدير النفط، بل كان يقصد أن حرمان إيران من تصدير النفط سيولد أجواء متأزمة في المنطقة، وعندها من الطبيعي ألا تقوم دول الخليج بتصدير النفط هي الأخرى». لقد دأبت إيران على إطلاق التهديدات والتلويح بالحرب، ثم التراجع مطلِقةً تصريحات التهدئة. إنها لعبة التصعيد والتهدئة التي يمارسها الملالي منذ عقود، باستخدام أجنحة النظام المختلفة ظاهرياً المتسقة واقعياً، ما يعكس نظام التقية السياسية الإيراني. فإيران نمر نووي من ورق، لا تملك إلا إطلاق التهديدات الكلامية والتصريحات النارية، وهي لا تجرؤ على المواجهة المباشرة، بل تلجأ لوكلائها ومليشياتها في المنطقة، لتنفيذ سياستها العدوانية عبر زرع الفتن الطائفية ونشر الإرهاب، بينما يعاني شعبها من أزمات اقتصادية زادت حدة الفقر والعوز بين أفراد الشعب، ورفعت فيه نسبة البطالة، ثم زاد تراجع قيمة العملة الإيرانية من غضب الشارع إزاء أوضاعه المتردية، وهو الغضب الذي رد عليه الملالي باعتقال وسجن المتظاهرين من الشباب. لا تملك طهران حتى الآن استراتيجية للتعامل مع تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، والدعوة الأميركية للشركات الأوروبية لوقف استيراد النفط الإيراني الخام، ستضع طهران أمام أوضاع مستجدة، تبدأ بوقف صادرات النفط (نحو مليوني برميل يومياً)، مروراً بانهيار العملة المحلية، ووقف الواردات من التجارة الخارجية، وصولا لنقص الاحتياجات الأساسية للشعب الإيراني المنهك.. مما يعني تفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة وتصاعد الاحتجاجات وصولا لإسقاط النظام. لقد سارعت طهران لإطلاق التهديدات والتصريحات الكلامية في جعجعة إعلامية فارغة موجهة للاستهلاك المحلي، في محاولة مكشوفة لتصدير الأزمة الداخلية والالتفاف على الاحتجاجات المستمرة، باختلاق أزمة دولية. فإيران لا تملك أن تقرع طبول الحرب إلا ضد شعبها.