رحّبت دولة الإمارات العربية المتحدة بالزيارة التاريخية المرتقبة للرئيس الصيني شي جين بينغ للدولة، والهادفة إلى تعميق أواصر التعاون التجاري والثقافي والعلمي بين البلدين. وستشتمل الزيارة على لقاءات تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية ورفع حجم التبادل التجاري، وتوسيع التبادل الثقافي والاجتماعي بين البلدين. وتشكل العلاقات الإماراتية الصينية أهمية متزايدة في السياسة الخارجية للدولتين معاً؛ فالصين تعتبر محوراً مهماً في العلاقات الدولية باعتبارها القوة الصاعدة التي ترتكز في سياستها الخارجية على أهمية الاستقرار والاستقلال في العلاقات الدولية بعيداً عن سياسة الإملاءات والتدخل في الشؤون الداخلية للدول. والإمارات بنهجها المنفتح وإمكاناتها الاقتصادية الكبيرة، تحتضن اليوم أكثر من 200 ألف صيني وتستضيف 4000 شركة تجارية صينية. لذلك قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «نسعى لبناء روابط اقتصادية وثقافية واستثمارية طويلة المدى مع الصين». ويأتي توقيت زيارة الرئيس الصيني في ظل استمرار الأزمات التي تمر بها المنطقة والاضطرابات التي فاقمها فشل السياسة الأميركية في حل قضايا إقليمية مشتعلة، إلى جانب التباطؤ الملحوظ في نمو الاقتصاد العالمي بالتزامن مع مساع متزايدة لبناء محاور سياسية واقتصادية وعسكرية. وفيما يشهد العالم اليوم معالم تشكل حقبة تعددية قطبية، لا تقتصر اهتمامات السياسة الخارجية الصينية على المجال الاقتصادي فحسب، وإنما تمتد أيضاً إلى المجالات السياسية والعسكرية والمعرفية. ويبرز دور الصين اليوم كثاني أهم دولة في بنية النظام الاقتصادي العالمي. ومع توسع إطار مصالحها الاستراتيجية، وبخبرتها التاريخية وثقافتها ورؤيتها للتطورات الجارية في مناطق العالم المختلفة، فإن الصين معنية بتعديل القواعد الاقتصادية للنظام الدولي أكثر من اهتمامها بتعديل قواعد هيكله السياسي. وتتلخص السياسة الخارجية الصينية بكلمة واحدة هي «البراغماتية»، وتتسم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبتفادي الصدام مع واشنطن، وبالاعتماد على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والمعرفية والعسكرية. وبالتوازي مع تطور الأدوات الاقتصادية في السياسة الخارجية الصينية، شهدت الأدوات العسكرية تطوراً مطرداً، فيما حافظت السياسة الصينية على التوازن الدقيق في الصراعات الدولية، إذ ترتكز السياسة الصينية المستقبلية في الشرق الأوسط على اعتماد سياسة التوازن بين الأطراف الإقليمية المتخاصمة وعلى علاقات جيدة مع كل الدول، مع الإبقاء على دور نسبي في تسوية المنازعات واعتماد وجود عسكري «خدماتي» في المنطقة. وتتجسد محددات السياسة الخارجية الصينية المعاصرة في الآتي: أولا؛ غلبة النزعة البراغماتية على حساب النزعة الأيديولوجية. ثانياً؛ تبني سياسة الحوار لا المواجهة على المستوى الدولي. ثالثاً؛ أولوية النمو الاقتصادي على النمو المتواصل في النفقات الدفاعية. رابعاً؛ إدارة العلاقات الخارجية بتأن وعدم التسرع في السعي لتحقيق موقع متقدم في النظام الدولي. لذلك فقد تطورت العلاقات الصينية الخليجية بتدرج، لكنها نمت بشكل متسارع خلال السنوات الماضية، خاصة في الجوانب الاقتصادية، حيث حرصت الدول الخليجية، وعلى رأسها دولة الإمارات، على استعادة التوازن المفقود في العلاقات الدولية القائمة. وتدرك دولة الإمارات، وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي، المخاطر التي تتهدد المنطقة، وأهمية إحداث توازن في العلاقات الدولية منعاً لأي طرف من التحكم بميزان العلاقات الدولية ومحاولة التلاعب بالجغرافيا وإعادة تشكيل مناطق العالم بما يحقق مصالحه. وبدون شك، ستسهم زيارة الرئيس الصيني في إعادة صياغة دور الصين إزاء المنطقة، والذي طالما تمايز عن الدور الأميركي من خلال مواقفه المرنة والمتزنة في التعاطي مع قضايا المنطقة، مما سيمنح دول الإقليم مرونة سياسية في العلاقات الدولية ستسمح لها بالخروج من دائرة القطبية الأحادية. فأهلا بزيارة الرئيس شي جين بينغ.