ظلّت العلاقات العربية الصينية متكئة على التاريخ، حيث الاستقاء من حضارتي الأمتين، والتقاء واضح لفلسفات وثقافات كانت نتاج العلاقات بين الشعوب، والتواجد في حيّز جغرافي أو فضاءات قريبة من ناحية تشكل وعي جمعي بقضايا الاستقلال والتحرر من الاستعمار بشكل مباشر، ثم التحرر من التخلف، ومن ميراث المستعمر الغربي خاصة، وتلك مرحلة بدت تجلياتها مع قيام الثورات العربية، بدءاً من الثورة المصرية، ومروراً بالثورة الجزائرية، وما رافقها وتبعها من ثورات في بعض الدول العربية الأخرى، لكن في كل ذلك بقي التأثير العربي على الموقف الصيني مرتبطاً برد فعل بكين تجاه حركة التحرر في الدول العربية، والذي تجلَّى في الدعم المادي والمعنوي للثورات. وفي فترة الاستقلال حاولت بعض الدول العربية ذات النهج الاشتراكي أن تقتبس من التجربة الصينية بتفكيرها الماوي (نسبة للزعيم الصيني ماوتسي تونغ) لكنها باءت بالفشل أمام الشيوعية، ذات البريق والتأثير، الواردة من الاتحاد السوفييتي السابق، والتي سببت خلافات حادّة بين أنظمة الدول العربية في ظل تبعيَة وانحياز لأحد المعسكرين أثناء الحرب البادرة، مع أن معظم الدول العربية كانت منخرطة في حركة عدم الانحياز. اليوم تغيّر نمط العلاقات العربية الصينية، لأنها لم تعد رد فعل على مواقف بعينها، وإنما هي نتيجة وعي الطرفين بالمستجدات، والفضل في ذلك في الجانب العربي يعود إلى دولة الإمارات، لأنها حولت العلاقة من جزئية إلى شاملة، ومن ماضية وحاضرة إلى مستقبلية، ومن أقوال وشعارات إلى أفعال وخطط.. وبعد ذلك كله فهي علاقة تقوم على التكافؤ وعلى استراتيجية طويلة المدى، وكل هذا نتيجة قيام السياسة الإماراتية على ميراث الشيخ زايد، طيب الله ثراه، حيث الحكمة والرشاد يُشكِّلاَن مسار العلاقة مع الآخرين في كل مكان، فما بالك بمن يملك ميراثاً مشابهاً من الفلسفة والحكمة، كما هو الأمر بالنسبة للصين الكونفوشيوسية؟! ومن هذه الصين تظهر الحكمة اليوم من جديد. ومن يطالع كتاب الرئيس الصيني، «شي جين بينغ»، الذي سيحلُّ ضيفاً على الإمارات اليوم الخميس، وسيوقعه غداً الجمعة المقبل، ضمن «الأسبوع الإماراتي الصيني»، يدرك تجدد الحكمة الصينية في القرن الحادي والعشرين، والتي تتلاقى بحكمة عربية تقدمها الإمارات. إنه تلاقي صنعه الحاضر ورجاله، وهو ما يظهر في أقوال وأفعال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وقد تحدث الرئيس الصيني، في كتابه «شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة» (من قسمين) عن كثير من القضايا التي تهم الصين والعالم، وطرح عدداً من الأفكار والنظريات والاستنتاجات حول تطور الحزب والدولة في الظروف التاريخية الجديدة، وعرض بصورة مركزة رؤى بلاده استجابة للمجتمع الدولي وتعزيز فهمه للأسلوب الصيني في التنمية، ومنها: التمسك بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتطويرها، وتحقيق الحلم الصيني للنهضة وفائدة ذلك لشعوب العالم، وفرص الابتكار وإطلاق أحلام الشباب.. وفي كل ذلك بدا واضحاً أنه يتحدث عن صناعة المستقبل، وهو ما تسعى إليه الإمارات عبر التفكير في البدائل وزرع الأمل، وإنتاج وتصدير أفكار إيجابية إلى العالم، والتحليق في فضاء الابتكار، وتوفير بيئة جاذبة وآمنة لرؤوس الأموال وللبشر وللأفكار.. وهذا مرفق بمنجزات علانية في مجالات الاقتصاد، والسياسة، والثقافة، والسياحة.. وفي صناعتهما المشتركة للمستقبل، تستند الإمارات والصين على البعد الأخلاقي لتحقيق حلمهما، كما تعملان على تعزيز القوة الناعمة الثقافية بحامية اقتصادية قوية، وبقوة حاسمة لتحقيق الأمن والسلم، ومواجهة الإرهاب والتطرف.