في يوم العاشر من شهر يوليو الجاري، استهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب رحلة إلى أوروبا، سار فيها على خطى أدائه المناوئ في قمة مجموعة السبع الكبار في كندا، والتي عقدت في شهر يونيو المنصرم. في ذلك الوقت، شدد الرئيسُ ترامب على دعوة نظيره الروسي فلاديمير بوتين من أجل ضم بلاده إلى المجموعة مجدداً، وشنّ هجمات بالغة على السياسات التجارية لمضيفه رئيس الوزراء الكندي «جاستن ترودو»، وألمح إلى أنه ليس لديه الوقت الكافي للمناقشات الجادة مع أقرب حلفائه بشأن التعاون الاقتصادي والسياسي. وبذلك الأسلوب، استدعى ترامب إلى الأذهان تساؤلاً حول إيمانه بالقيم والقوة التي تستمدها الولايات المتحدة من الشراكة عبر الأطلسي. وفي مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، في الثاني عشر من شهر يوليو الجاري، وبّخ الرئيس الأميركي زملاءه الأعضاء، بسبب قلة مساهمة بلادهم المالية في القدرات العسكرية للحلف، ثم أحرج رئيسة الوزراء البريطانية «تريزا ماي» أثناء زيارة العمل التي قام بها إلى بريطانيا، وتضمنت جلسة شاي مع الملكة إليزابيث الثانية، وعشاءً رسميا في قصر «بلنهايم» بأكسفوردشاير، وحفل استقبال في مقر إقامة رئيسة الوزراء في «تشكرز». والحقيقة أن ترامب منذ توليه سدة الرئاسة في بلاده، لم يزر لندن يوماً دون تكون النبرة المناهضة له هناك مرتفعة للغاية. وبدلاً من تهدئتها، قضى ترامب يومين في أحد ملاعب الجولف المملوكة له في سكتلندا. وعشية زيارته إلى «هلنسكي»، في السادس عشر من يوليو الجاري، من أجل لقاء بوتين، نحا باللائمة على الغرب، وخصوصاً بلاده في سوء العلاقات مع روسيا. لكن لا شيء من تلك النذر أهّبت العالم لمشهد قمة ترامب وبوتين التي وصفها بعض أعضاء حزبه الجمهوري بأنها «أكثر الأخطاء فداحة خلال الفترة المنقضية من رئاسته». وقد بدأت القمة باجتماع ثنائي استمر ساعتين، ولم يحضره سوى الرجلين ومترجمين، ولم يتم الإفصاح عن أية ملاحظات أو ملخص لما دار في الاجتماع حتى الآن. غير أن الاجتماع أعقبه لقاء مع مسؤولين بارزين من كلا الجانبين، واختتمت القمة بمؤتمر صحفي، أضحى الآن «سيء السمعة بدرجة كبيرة». ففي ذلك المؤتمر، سئل ترامب، كما كان متوقعاً، حول ما إذا كان قد واجه بوتين بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. وتشير التقارير، إلى أن جميع أفراد فريق عمله حضّوه على اتخاذ موقف صارم تجاه بوتين، لاسيما أن وكالات الاستخبارات الأميركية كافة تتفق على أن دلائل التدخل الروسي في الانتخابات قوية ولا جدال في صحتها. ورغم ذلك، فقد أيّد ترامب بوتين بشكل كبير، ووجه اللوم إلى أجهزة الاستخبارات الأميركية بسبب عدم اتخاذها إجراءات مشددة بحق هيلاري كلينتون، وزعم أن التحقيق بأسره في التدخل الروسي كان «تصيداً لأخطاء المعارضين». وبدا أن ترامب وبوتين متفقين في هذا الجانب. وفي غضون ساعات، قبل عودة طائرة ترامب إلى واشنطن، كان عدد من قادة الحزب الجمهوري قد أعربوا عن وجهة نظرهم بوضوح، ومنهم رئيس مجلس النواب «بول ريان»، والذي يحل ثالثاً في تولي الرئاسة في حالة حدوث حالة طوارئ، إذ أكد أن «الرئيس لابد أن يأخذ في حسبانه أن روسيا ليست حليفتنا». وأضاف: «ليس هناك تكافؤ أخلاقي بين الولايات المتحدة وروسيا». أما السيناتور «بوب كروكر»، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، فقال: «الرئيس جعلنا نبدو (خاضعين)، بينما كان بوتين يحتفل على الأرجح على متن الطائرة عند عودته إلى بلاده». ولعل أكثر التصريحات الجمهورية اللاذعة جاءت على لسان السيناتور «جون ماكين»، الذي قال: «إن أداء اليوم في هلسنكي كان أكثر أداء فاضح من قبل رئيس أميركي يمكن أن نتذكره، فليس هناك رئيس أميركي أهان نفسه بمثل هذا الذل أمام طاغية». وقد كانت تلك تصريحات بعض الجمهوريين، وبطبيعة الحال، فقد كانت ردود الديمقراطيين كثيرة ولاذعة. ولا يزال من المبكر معرفة ما إذا كانت هناك تداعيات خطيرة نتيجة لهذه القمة. لكن ليس ثمة شك في أن قمة «هلسنكي» ستعتبر نقطة تحول في علاقات ترامب مع حلفاء «الناتو»، الذين لم يعودوا يثقون بالإدارة الأميركية الحالية. وما يزال من غير الواضح كذلك، ما إذا كان زملاؤه في الحزب الجمهوري ستكون لديهم الإرادة والشجاعة لمواجهته وتحديه. غير أن المؤكد أن هذه الأنباء محزنة للتحالف الغربي، وسارة لبوتين، ونظراً لما نعرفه، جيدة لترامب نفسه!