مع اقتراب إعادة تطبيق العقوبات الأميركية على إيران، بعد إعلان واشنطن انسحابها من الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي وقعت عليه كذلك روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، حيث وافقت إيران على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها، نجد أن طهران ما زالت تنتهج سلوكاً عدائياً متصاعداً على عدة مسارات أبرزها المجال النووي. فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه فرض عقوبات جديدة «عالية المستوى» على إيران، سوف تمتد لتشمل شركات من دول وأطراف ثالثة لا زالت ترغب في التعامل مع طهران. ومن المتوقع عند انقضاء 90 يوماً من إعلان واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي، إعادة فرض العديد من العقوبات على إيران، لتدخل حيز التنفيذ في غضون ثلاثة أشهر. وتضم تلك العقوبات فرض قيود على العديد من القطاعات تضم بيع العملة الأميركية لإيران، وشراء الذهب والمعادن النفيسة الأخرى منها، وشراء الصلب والألومنيوم منها أيضاً، والاستثمار في السندات الإيرانية، والصفقات مع شركات صناعة السيارات الإيرانية، والتعاملات الكبيرة بالعملة الإيرانية «الريال»، وقطاع السيارات الإيراني، وتجارة السجاد والمواد الغذائية الإيرانية، كما سيتم سحب تراخيص التصدير من شركات الطيران المدني، بما فيها «بوينغ» و«إيرباص‏»?. ?وبعد ?انقضاء ?180 ?يوماً، ?ستدخل ?فئة ?جديدة ?من ?العقوبات ?حيز ?التنفيذ، ?وتشمل ?موانئ ?إيران ?وسفنها البحرية ?ومصانعها ?للسفن، ?والتحويلات ?المالية ?بين ?المؤسسات ?المالية ?الأجنبية ?والبنك ?المركزي ?الإيراني، ?وخدمات ?الاكتتاب ?والتأمين ?وإعادة ?التأمين ?والتعاملات ?المتعلقة ?بالأنشطة ?النفطية. ?وخلال ?تلك ?الفترة ?ستقوم ?وزارة ?الخارجية ?الأميركية ?بتقييم ?مدى ?تقليص ?الدول ?الأجنبية ?لمشترياتها ?من ?النفط ?الإيراني. وفي خضم تلك الأحداث التي يتوقع أن يكون لها تأثير بالغ على الاقتصاد الإيراني، والذي بدأ بالتعافي بعد إبرام الاتفاق النووي، نجد التذمر والاستياء الشعبي في الشارع الإيراني يتزايد، احتجاجاً على السياسات الاقتصادية لحكومة حسن روحاني. فقد أصبحت الاحتجاجات الشعبية بشكل عام والعمالية بشكل خاص أمراً معتاداً داخل إيران. وشهدت العديد من المدن الإيرانية مؤخراً احتجاجات قامت بها الفتيات الإيرانيات، كما شهدت اندلاع عدد من التظاهرات من موظفي القطاع المصرفي وشركة حكومية للاتصالات الهاتفية وعمال وموظفي البلدية بمحافظة أصفهان. أضف إلى ذلك استمرار إيران في سياسة «تصدير الثورة»، والتوسع الإقليمي، وإثارة الفتنة الطائفية في عدة دول عربية، إلى جانب الدعم العسكري الواضح لجماعة «الحوثي» الإرهابية التي انقلبت على الحكومة الشرعية في اليمن. ووسط ذلك كله، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، قيام إيران ببناء مصنع لإنتاج أجزاء الدوران اللازمة لتشغيل ما يصل إلى 60 وحدة طرد مركزي يومياً، في تصعيد لمواجهة جديدة مع واشنطن في المجال النووي. ويأتي إعلان صالحي بعد قرابة شهر من إصدار المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، توجيهاته للهيئات المعنية في إيران بأن تستعد لزيادة طاقة تخصيب اليورانيوم في حال انهيار الاتفاق النووي المبرم مع القوى العالمية بعد انسحاب الولايات المتحدة منه. ?وكأن ?إيران ?لا ?تأبه ?لكل ?ما ?يدور ?حولها ?من ?تنديد ?بسياساتها ?العدائية ?وما يتم فرضه من ?عقوبات ?عليها ?ستطال ?بشكل ?مباشر ?المواطن ?الإيراني ?العادي ?مما ?سيدخلها ?في ?عزلة ?إقليمية ?ودولية ?سياسياً ?واقتصادياً. لكن المتابع لسياسات إيران قبل وبعد ما يسمى «الثورة الإسلامية» في عام 1978 يجدها لا تحيد مطلقاً عن توجهاتها العدائية وسلوكها الاستفزازي للدول العربية الخليجية المجاورة ورغبتها المتواصلة في فرض سيطرتها ونفوذها وهيمنتها على تلك الدول، وهي بذلك تثبت أنها إنما تعيش على العداء والعدوان ودعم الإرهاب. ويأتي التصعيد الأخير في نشاطها النووي ليؤكد استمرار الغرور الإيراني مما سيؤدي بلا ريب إلى مزيد من الأزمات في المنطقة، الأمر الذي يُخشى معه من الدخول في نفق مظلم يُنذر بنتائج وخيمة العواقب.