الحديث حسّاس حول حقوق الأبناء المهدورة في بعض الأسر، فثمة من يفسّره كأنه حضّ لهم على التمرّد، رغم أنه حثّ على تصويب أوضاعهم في أسرهم، حيث الأسرة نواة المجتمع. وثمة من يرفض فتح النوافذ على البيوت، وهذا نظر قاصر ما دمنا نتحدث عن أفراد سيخرجون يوماً من تلك البيوت إلى المجتمع. وثمة من يرى أنها حالات قليلة، لكن القلة أو الكثرة لا تعنيان شيئاً. وثمة من ينفي وجود مشكلة أساساً، لأنه ببساطة لا يعلم عن وجودها. وهو أيضاً حديث شائك، فهناك قوانين ومؤسسات، لكن بالتعمق نجد الصخور تسدّ الطريق أمام هؤلاء الأبناء نحو نيل حقوقهم، فالصغار منهم عاجزون عن التحرك بأنفسهم، والكبار منهم لا يقلون عجزاً لمحاذير اجتماعية ومقولات مأثورة، كما يصعب على المؤسسات المعنية التواصل معهم، وهي أيضاً تفتقد إلى الصلاحيات. وفي اعتقادي أن الأبناء الضائعة حقوقهم على أيدي أسرهم أكثر الفئات حاجةً للوقوف إلى جانبها، ذلك أن كافة العلاقات بين البشر يمكن وضع حدٍ لها إذا هضم طرف حق الآخر، في حين أن العلاقة بين الأبناء والآباء تتصف بصفة الديمومة، ولا بديل عن تصحيح العلاقة. والأمر الآخر، أن القوانين تنظر للابن، بتخطيه سن 18 سنة أو 21 سنة، كفرد عادي، هو الذي عليه أن يطالب بحقوقه قِبل أهله، ويناضل من أجلها أمام المحاكم، رغم أنه يبقى ابناً مهما بلغ من العمر، وإذا تحدثنا عن البنات، فإنهن يبقين تحت السلطة المباشرة لأسرهن حتى لو بلغن الثلاثين أو الأربعين من دون زواج. والأمر الثالث، أنه رغم أن للأبناء توكيل غيرهم للمطالبة بحقوقهم مثل بقية الأشخاص، فإن دخول طرف «غريب» يعقِّد المسألة، إذ المشكلة التي تكون مثلاً بين ابنة مع والدها الذي يمنعها من الدراسة أو يحرمها من الزواج، تتحول تلقائياً إلى مشكلة بينه وبين الوكيل عنها، الأمر الذي يستدعي معه دوراً أكبر للمؤسسات، لتكون هي الطرف ما أمكن ذلك، باعتبارها جهات اعتبارية محايدة. كما أن الوكيل لا يمكنه التقدم خطوة إلا بوكالة، وفضلاً عن أن التوكيل لا يكون إلا ببلوغ سن الرشد، فإن مجرد عمل الوكالة يحتاج إلى أن يكون الموكل قادراً على التنقل، ليذهب إلى المحكمة مثلاً، وهذا لا يتاح له ونحن نتحدث عن بيوت مغلقة الأبواب على الأبناء. وتأتي أهمية وجود مؤسسات في الموضوع لتكون الملاذ والمأوى لمن يتعرض للإساءة أو التعنيف أو التضييق أو الحرمان من الحقوق، إذ بقاء الشاكي تحت رحمة المشكو في حقه، حتى لو كان أباً، يؤدي إلى الدوران في حلقة مفرغة. فلو كان هذا الأب يتحلى بالمسؤولية تجاه عياله، ويبادلهم الحب والمودة، لما عرّضهم إلى «البهدلة» أساساً. وفضلاً عن الحاجة إلى قوانين أكثر شمولية، وإجراءات أكثر سهولة، ودور أكبر للمؤسسات، فإنه لابد من التوعية بحقوق الأبناء، سواء في الأسر أو لدى القائمين على أمر المؤسسات ذات الصلة بحقوقهم. باختصار، هذا الابن الذي ينشأ في أسرة تهضم حقه، سيخرج غداً إلى المجتمع.