«إن الممارسة طويلة الأجل للحزب والدولة قد دلّت على أن الاشتراكية وحدها هي القادرة على إنقاذ الصين، والاشتراكية ذات الخصائص الصينية وحدها هي القادرة على تنمية الصين، وبرفع الراية العظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية فقط، يمكننا أن نوحد ونقود كل الحزب وأبناء الشعب من القوميات المختلفة في البلاد لإنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة في مناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني».. هكذا تحدث الرئيس الصيني «شي جين بينغ» في كلمة ألقاها في اجتماع للمكتب السياسي للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني في 17 نوفمبر 2012. لقد استوقفتني طويلاً العبارات السابقة، وأنا أطالع كتابه «حول الحكم والإدارة»، فالحديث عن الاشتراكية الصينية، يُفْهم منه عدم الاقتداء بالتجارب الاشتراكية الأخرى في العالم، ومنها تلك التي أدت إلى تفكيك الاتحاد السوفييتي، وتخلِّي دول أوروبا الشرقية عن النهج الاشتراكي والتحاقها بالمعسكر الرأسمالي، كما يكشف عن قناعة راسخة لدى الزعيم الصيني بأن الاختيار الوطني لبلاده (أي الاشتراكية) يحتاج إلى تطوير وليس إلى تغيير، وهذا يدعمه الواقع وما تحقق فيه من نهضة، لدرجة أن النمو الديموغرافي الذي يُشَكَل عبئاً على الدول ذات الكثافة السكانية العالية، يُمثل طاقة فاعلة لدى الصين اليوم.. المهم أن الاختيار الشيوعي للحزب والدولة لم يتم إبعاده، وإنما تحديثه، ما يعني أن الصين في اختيارها الاشتراكي «أَتْبِعَت سَبَباً»، فكان لها اليوم ما أرادت. لا شك في أن التجربة الصينية في التنمية تهمنا، وفيها من القيم الإنسانية المشتركة ما يجمعنا، لكن هناك فروق بين الحضارتين في الماضي والحاضر، وهي وإن كانت من التنوع والثراء إلى حد يمدها بجسور التعاون بين أمتين، فإنها ستظل حاسمة في صناعة المستقبل المتعلق بالخلود، والذي ينبع أساساً من روح الحضارة نفسها، ورؤية الوجود، وهنا يصبح السؤال الآتي حاجة آنية: ماذا لو اتّخذ المسلمون، والعرب منهم خاصة، الصين نموذجاً يقتدون به في مجال تكريس القيم المعرفية ذات الصبغة الفكرية، والتي يقابلها عندنا المعنى الإيماني للحياة والوجود؟ هذا السؤال ينقلنا من صدمة الدهشة بالمنجز، خاصة في شقة المادي، وما يتبعه من استجابة فورية، سلبا أو إيجاباً.. إلى يقظة التحدي، أو على الأقل الانتقال نحو عدوى صحية، وبذلك يتم الخروج من الأمراض ومناخاتها العامة. إن سعي الرئيس الصيني إلى تطوير بلاده من خلال «التمسك بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتطويرها»، يجعلنا في علاقة التعاون مع الصين، مطالَبين بثلاثة أمور، أولها: أن نكون محملين بزاد فكري قادر على الثبات والمواجهة، وهذا يمثله الإسلام، وثانيها: توظيف وإظهار وعاء لغوي يعبر عن ثقافتنا، واللغة العربية هي المؤهلة لذلك بجدارة ولا بديل عنها في فضاءات اللهجات المحلية ولا في اللغات العالمية حتى ولو كانت حية وعالميّة، وثالثها: اتباعنا للأسباب من خلال العمل. إن فعلنا ذلك فقد نبني علاقة مع الصين تكون متفاعلة مع ما ذهب إليه الرئيس «شي جين بينغ» حين قال: «لقد أبدعت كل من الصين والدول العربية حضارة مزدهرة، وتعرّض كل منهما أيضاً لنكسات عديدة في التقلبات الزمنية عبر التاريخ الحديث، لذا ظل تحقيق النّهضة القومية هدفاً مشتركا لكلا الطرفين. فلنعمل جنباً إلى جنب لتطوير روح طريق الحرير، وتعزيز التعاون الصيني العربي، وتحقيق حلم الصين والنهضة العربية، ولنخض النضال في سبيل القضية السامية لتحقيق السلام والتنمية للبشرية جمعاء».