طائرة خاصة تحلق من قطر إلى أميركا لتقل ضيفاً من العيار الطائش، لكنه من الأهمية بمكان لدى الأمير «تميم»، حيث هبطت الطائرة في الدوحة وعلى متنها «كوهين»، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، من أجل إجراء محادثات في غاية الأهمية بالنسبة لإسرائيل. قطر تعيش منذ أكثر من سنة أزمة مقاطعة طاحنة من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بسبب دعمها للإرهاب، لكنها أيضاً تتعامل مع دولة الإرهاب، وتلبي مطالبها عن طريق المنظمات الصهيونية التي تدعم إسرائيلَ ومصالَحها في كل مكان، وقد وجدَتْ لها موطئ قدم في الخليج عبر البوابة القطرية المفتوحة لسراق فلسطين، رغم ما تدعيه الدوحة من أنه لها وصلا لغزة وغزة الإباء لا تقر لها بذلك. ترى ماذا يريد كوهين من تميم؟ بالطبع يريد منه الدفاع عن أمجاد بني صهيون الذين يرفض بعض اليهود مشروعهم، إذ لا يعترفون بوجود دولة يرون نهايتهم في تأسيسها، وهذه رؤية المتدينين المتشددين الذين قتلوا رابين بفتوى دينية وعلى يد شاب آمن بتلك الفتوى. لقد تحمل رئيس هذه المنظمة الصهيونية الأميركية وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب، لكي يأخذ الضمانات من «تميم» نفسه، من أجل عدم تعرض إسرائيل لأي اعتداء على ساميتها من قبل قناة «الجزيرة» التي قيل إنها كانت تستعد لبث حلقات وثائقية توضح عنصرية إسرائيل، وهو ما نما لعلم كوهين، فاستشاط غضباً ضد أي مس بشرف السامية وكرامتها. فما كان من تميم إلا أن رد الجميل قائلا: «فالك طيب، أيها المندوب السامي لبني صهيون أجمعين، ولو على حساب غزة وأهلها، وإن غرق القطاع في وحل إسرائيل وحصارها المهين». لقد استطاع مندوب الصهاينة في أميركا، أن يقنع أمير قطر بضرورة وقف هذا البرنامج المسيء لإسرائيل، حفاظاً على التحسن المطرد للعلاقات بين الجانبين منذ عام 1996، عندما تبادلا فتح مكاتب «التمثيل التجاري». وكان أول لقاء قطري إسرائيلي مع رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك شمعون بيريز، مهندس مشرع «الشرق الأوسط الجديد»، قد تم خلاله الاعتراف المطلق بإسرائيل وتأييد وجودها كخنجر مسموم في قلب كل عربي يعلم حقيقة قيام هذه الدولة على أشلاء أهل فلسطين. وقام بيريز بافتتاح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات بيع الغاز القطري لإسرائيل، ثم إنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب. وخلال أكثر من عقدين تجاوزت قطر كل الخطوط الحمراء مع هذه الدولة، قبل أن يأخذ فلسطيني واحد حقه الشرعي وفق القرارات الدولية التي تنص على حقهم في دولة فلسطينية مستقلة. وقد أحدثت قطر مذ ذلك الوقت شرخاً عميقاً في منطقة الخليج التي لم ترتبط يوماً بأي علاقة مع دولة ترفض أصلا الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة، وبطريقة مخلة بكل الأعراف والمواثيق الدولية التي تمنع أي خرق لمشروع السلام الدائم والشامل في المنطقة ككل. وجاءت الخروقات القطرية، وفي أحدث حلقاتها، في الوقت الذي يُرفع فيه مشروع قانون «الدولة القومية» إلى الكنيست لإقراره، في موجة عنصرية جديدة تحول فلسطينيي 1948 إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وتجعل إسرائيل دولة خالصة لليهود من دون المؤمنين الآخرين من المسلمين والمسيحيين. هكذا تخرج علينا قطر من جديد بوجه كالح ضد الفلسطينيين، بعد أن لعبت لسنوات دور الوسيط النزيه مع كافة تيارات الإرهاب، لينكشف الستار عن لعبة قذرة تدور رحاها في دوحة كوهين، أشد خطورة من لعبة الأمم التي خبرناها في خمسينيات القرن الماضي.