تبدو جهود «ريتشارد جرينيل»، سفير الرئيس دونالد ترامب لدى برلين، وكبير مستشاري ترامب السابق «ستيف بانون»، لتعزيز قوة اليمين المتطرف في أوروبا، منطقية تماماً بالنسبة لهما، فأميركا المتغيرة تبحث عن حلفاء مختلفين. لكن ذلك البحث، لابد أن يكون شديد الانتقائية، إذ إن بعض الشعبويين والقوميين في القارة العجوز ليسوا فقط مناهضين لليبرالية والهجرة، ولكن أيضاً لديهم نزعة عداء أميركية بصورة أساسية.
وثمة قضيتان محوريتان لابد أن يرتكز عليهما انتقاء أنصار ترامب لأصدقائهم الأوروبيين هما: مواقفهم تجاه إسرائيل، وآرائهم في الدور الملائم لأميركا في العالم. فقبل بضعة أعوام، كانت المعضلة الإسرائيلية خطاً فاصلاً بين القوميين المؤيدين لأميركا وأولئك المناهضين لها. وتعكس وجهة النظر حول واشنطن تلك المتعلقة بتل أبيب، والعكس صحيح، حسبما أشارت في عام 2004، «إيفان كراستيف»، عالمة السياسة البلغارية والباحثة في شؤون الحركات المناهضة لأميركا. واعتبرت في حينه أنه من السهل اعتقاد أن كثيرين في جناح اليمين الأوروبي مناهضين لأميركا لأن أميركا تعتبر موالية لليهود وللإسرائيليين.
وإذا ما طبقنا هذا الاختبار في الوقت الراهن، فستكون النتائج إيجابية بالنسبة لأنصار ترامب. ف«خيرت فيلدرز»، رئيس حزب الحرية الهولندي، مؤيد شرس للكيان الصهيوني، وأيديولوجيته السياسية مستمدة من مذهب المحافظين الأميركي وتأييده التقليدي للدولة العبرية. وأما«ماتيو سالفيني»، وزير الداخلية الإيطالي الحالي، وزعيم حزب «الرابطة القومية»، فيعتبر إسرائيل أيقونة الغرب، وهو مناصر لعضوية إيطاليا في حلف شمال الأطلسي، ومن ثم تنطبق مقاربة «كراستيف» على مثل أولئك السياسيين.
لكن في الوقت الراهن، من الصعب على السياسيين الأوروبيين الإفصاح عن آراء معادية للسامية، مثلما فعل جان ماري لوبان، مؤسس حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي. وكثير ما اتُهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بمعاداة السامية. والملياردير جورج سوروس، اعتاد على التعريض بآراء معادية للسامية، لكنه رغم ذلك صديق حميم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وفي المجر، تحول حزب «جوبيك»، الذي كان مناهضاً لأميركا ويكشف عن آراء معادية للسامية صراحة، إلى موال لإسرائيل بهدف كسب الأصوات الانتخابية.
وفي النمسا، كان تاريخ حزب الحرية حافلا بمعاداة السامية، وزعيمه الحالي، نائب المستشار «هاينز كريستيان ستارش»، نشر صوراً معادية للسامية على موقع فيسبوك. وأما الآن، فتصريحاته المؤيدة لإسرائيل تستدعي الاستغراب!
لذا، فإن مدى «قومية» الحليف المحتمل ربما تكون في الوقت الراهن اختبارا للتأكد من نزعة العداء لأميركا أفضل من الموقف تجاه إسرائيل، لاسيما أنه بالنسبة لبعض أحزاب «اليمين» المتطرف، تعتبر الولايات المتحدة دولة شديدة الاستبداد والتدخل في شؤون الآخرين. وأعلنت زعيمة الجبهة الوطنية السابق «مارين لوبن» قائلة: «إن قارتنا الأوروبية تمتد من الأطلسي إلى جبال الأورال، وليس من واشنطن إلى بروكسل».
وعلاوة على ذلك، لا يمنع تأييد السياسي الأوروبي لروسيا من أن يكون موالياً أيضاً لأميركا من وجهة نظر أنصار ترامب، وقد نجح «سالفيني» بالفعل في أن يكون مناهضاً للعقوبات على روسيا ومؤيداً للقيادة الأميركية في آن واحد. لكن حتى لو لم تكن لدى «لوبن» مشكلة في الوقوف إلى جانب «بانون» في أحد التجمعات الانتخابية، فإن لديها مشكلة مع القيادة الأميركية، فقد اقترحت أثناء الانتخابات الرئاسية الفرنسية العام الماضي، الانسحاب من الهيكل العسكري لحلف شمال الأطلسي «لكي لا تنجر فرنسا إلى حروب الآخرين»، فهي ليست مؤيدة لأميركا مهيمنة، وإنما مؤيدة بالأحرى لأميركا انفصالية.
وينطبق ذلك أيضاً على القوميين الألمان في «حزب البديل»، الذين يفضلون الازدهار الاقتصادي الذي ساعدت أميركا ألمانيا على تحقيقه، لكنهم يعارضون إخضاع أميركا بلادهم لرغبتها كقوة محتلة. ويقول زعيم حزب البديل «ألكساندر جولاند»، إنه إذا كان معنى أن نصبح جزءاً من الغرب أن نظل رهناً للمصالح والارتباطات العسكرية الأميركية إلى الأبد، فعندئذ ستكون لدي صعوبات جمّة مع ذلك.
*كاتب روسي مقيم في برلين
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»