تسير العلاقات التجارية الدولية باتجاهين متناقضين تماماً، ففي الوقت الذي تحاول فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وضع قيود جديدة على تجارتها مع بقية دول العالم، وبالأخص شركائها التجاريين الأساسين، كالاتحاد الأوروبي والصين واليابان، فإن هناك قوى اقتصادية أخرى مؤثرة وذات ثقل في التجارة الدولية تسعى إلى القيام بالمزيد من التحرير لتجارتها.
في الاتجاه الأول فرضت الولايات المتحدة رسوماً جديدة على وارداتها من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والعديد من دول العالم، مما سيوفر 500 مليار دولار من تجارتها مع الصين وحدها، إذ وضع الرئيس الأميركي الشركاء الآخرين أمام اختيار صعب، فإما التحرير الكامل للتجارة، وإما فرض رسوم متكافئة من قبل كافة الأطراف، إذ قال أثناء اجتماعه برئيس المفوضية الأوروبية نهاية الأسبوع الماضي "إنه اتفق مع جان كلود يونكر على العمل لخفض الحواجز التجارية للوصول بها إلى الصفر في تجارة السلع الصناعية باستثناء السيارات" فيما قال رئيس المفوضية: "إن أميركا والاتحاد الأوروبي سيحجمان عن فرض المزيد من الرسوم الجمركية أثناء انعقاد المفاوضات التجارية"، مما يعني عدم التوصل إلى اتفاق نهائي في هذا الشأن، بدليل الرفض المباشر للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاتفاق ترامب- يونكر، علما بان التبادل التجاري بين الجانبين يعتبر الأعلى في العالم ويصل إلى ترليون دولار سنويا.
في مقابل ذلك وقّع الاتحاد الأوروبي واليابان منتصف شهر يوليو الماضي اتفاقاً للتجارة الحرة سيدخل حيز التنفيذ بداية عام 2019 والذي يعتبر أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم، كونه يغطي ثلث الاقتصاد العالمي ويشمل 600 مليون شخص، هم عدد سكان الاتحاد واليابان، مما يعد ضربة للسياسة الحمائية التي يتبناها الرئيس الأميركي.
من غير المعروف حتى الآن لأي من الاتجاهين ستميل الكفة، فالولايات المتحدة تصارع منفردة ضد قوى كبيرة، كالصين والاتحاد الأوروبي واليابان، والتي تشكل عملياً تكتلاً تجارياً مقاوماً للرسوم الأميركية التي يعتقد الرئيس الأميركي أنها حق مشروع يتساوى مع تلك الرسوم الجمركية التي تفرض على صادرات بلاده من قبل الدول الأخرى. من الواضح أن أي من هذه البلدان لا ينوي الدخول في صراع أو حرب تجارية مع أكبر قوة اقتصادية يمثل سوقها منفذاً مهماً جداً للصادرات الأوروبية والآسيوية ولبقة الاقتصادات، إلا أنه في نفس الوقت لا يمكن القبول بكافة الشروط التي يضعها ترامب وتشكل تحدياً تجارياً واقتصادياً للقوى الأخرى، إضافة إلى أنها تلقى معارضة حتى من داخل الولايات المتحدة نفسها، مما دفع الإدارة الأميركية إلى تخصيص 12 مليار دولار على شكل دعم وإعانات للمزارعين الأميركيين.
والحال، فإن الوضع التجاري الدولي برمته تسوده حالة من الضبابية وعدم اليقين، حيث لا توجد مؤشرات على قرب التوصل لتفاهمات مشتركة حول الخلافات التجارية، مما سيلحق ضرراً بالغاً ليس بالتبادل التجاري فحسب، وإنما بالنمو العالمي ككل.
وفي حال نجاح المساعي الأميركية، فإن الولايات المتحدة ستصبح سيدة التجارة العالمية دون منازع، وستستعيد من جديد هيمنها على العلاقات التجارية، والتي تضعضعت مع بروز الصين والاتحاد الأوروبي، كقوى تجارية تحدد الكثير من الاتجاهات التجارية الدولية. أما في حالة نجاح الاتجاه الآخر وتشكيل تحالف أوروبي صيني ياباني، فإن الاقتصاد الأميركي سيتضرر بصورة كبيرة وسيتم اتخاذ إجراءات وإجراءات مضادة، وهو ما سيؤدي في كلا الحالتين إلى اشتداد الحرب التجارية التي دخلت حيز التنفيذ عملياً.
يبقى هناك احتمال ضعيف يتعلق بإمكانية التوصل إلى مساومات والالتقاء في منتصف الطريق، وبالتالي تجنيب العالم العواقب الوخيمة للحرب التجارية، وهو أمر تسعى إليه القوى الثلاث، الاتحاد الأوروبي والصين واليابان، والتي تجد الكثير من التعقيدات في تعاملها مع الجانب الأميركي.