أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة قبل بضعة أيام عن قرب الانتهاء من وضع استراتيجية (الأمن الغذائي)، والتي سيتم إطلاقها نهاية شهر سبتمبر القادم لتضع الدولة مرة أخرى بصمتها ضمن سجل الريادة على مستوى العالم. والأمن الغذائي مصطلح يقصد منه مدى قدرة بلد على تلبية احتياجاته من الغذاء الأساسي من منتوجه الخاص أو استطاعته على استيراده تحت أي ظرف ومهما كان ارتفاع أسعار الغذاء على الصعيد العالمي.
وتتفاوت قدرة الدول على توفير الأمن الغذائي لشعوبها حيث تستطيع الدولة ذات الاقتصاد القوي والمتين من توفير احتياجات الغذاء لمواطنيها في حال حدثت مجاعة عالمية، وذلك بسبب مقدرتها على الاستيراد والتخزين، وفي المقابل تعاني الدول الفقيرة من عدم القدرة على توفير الأمن الغذائي، وخاصة تلك التي تعتمد على الأمطار في إنتاج محاصيل غذائها وغذاء الماشية وتعاني من قلة سقوط المطر وانتشار الجفاف، إذ لا تستطيع تلك الدول توفير الغذاء لشعوبها بسبب عجزها عن الاستيراد. وهنا قد تحدث المجاعات التي تودي بحياة الآلاف من الناس. ولذلك فقد أكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO على ضرورة زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 70% حتى عام 2050 لتغطية احتياجات الناس من الغذاء في الوقت الذي حذرت منه أن العالم قد وصل إلى مرحلة حرجة بالنسبة إلى إنتاج الغذاء لا يمكن التغاضي عنها. وأشارت المنظمة أيضاً إلى استمرار ارتفاع أسعار الغذاء في العالم، مما سيكون له أبلغ الأثر مستقبلاً على سكان البلاد الفقيرة ذوي الدخل المتدني بدرجة خطيرة تؤثر على أمنهم واستقرارهم، وتؤدي لزيادة معدلات المجاعة بينهم.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، فالملاحظ أن الاهتمام بالزراعة وتوفير الغذاء للشعب هو نهج مستمر وموروث منذ فترة حكم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الاتحاد وباني حضارتها. فلطالما أكد – طيب الله ثراه – على أهمية الاتحاد وضرورته لتوفير الحياة الأفضل للمواطنين، وتأمين الاستقرار في البلاد، وتحقيق تطلعات الشعب في التقدم والعزة والرخاء. وقد كان – رحمه الله – أول من أمر بوضع برنامج تحفيزي للمزارعين إضافة إلى رسم السياسة الزراعية للدولة، تأكيدا لمقولته الخالدة: «أرني بلداً يتمتع بقاعدة زراعية قوية، أريك بلداً قوياً راسخاً».
ومن هذا المنطلق قامت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة بإنشاء أول وزارة مسؤولة عن ملف الأمن الغذائي الوطني ووضعت تلك المسألة نصب أعينها وعلى سلم أولوياتها بهدف تحقيق التنمية المستدامة. ولذلك فإن الأمن الغذائي أضحى جزءاً مهماً جداً من الأمن الوطني للإمارات، مما ساهم في تبوء الدولة مرتبة متقدمة بين الدول التي تقود جهود الأمن الغذائي. ولقد بدأت تجربة الإمارات بإنشاء مركز الأمن الغذائي في أبوظبي وهو المسؤول عن إنشاء وإدارة المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، بالتعاون مع القطاع الخاص. كما يهدف المركز إلى خدمة منظومة الأمن الغذائي، وإنشاء مخزون غذائي استراتيجي، بما يضمن تعزيز الأمن الغذائي من خلال استدامة إمدادات الماء والغذاء وإدارة المخزون الاستراتيجي وتطويره والعمل على رفع الوعي المجتمعي.
ثم جاء تأسيس الوزارة المسؤولة عن ملف الأمن الغذائي لتأخذ الأمور منحى جديداً يرمي أن تكون دولة الإمارات الأولى في مؤشر الأمن الغذائي العالمي. وسوف تهدف استراتيجية الأمن الغذائي للدولة لوضع أولويات وطنية فيما يتعلق بإنتاج الغذاء، ووضع حلول للتحديات التي تواجه هذا القطاع، ودعم المزارعين، فضلاً عن التعامل مع البدائل في حالة الأزمات والطوارئ، إضافة إلى وضع خريطة مستقبلية للزراعة في الدولة. تلك الاستراتيجية وما تتضمنه من مشاريع مستقبلية لن تتحقق أهدافها إلا بتكاتف الجهود المجتمعية مع الحكومية بهدف ضمان مستقبل غذاء آمن للأجيال القادمة وضمان توفير الغذاء لشعب الإمارات وقت الحاجة.