الخلاف الذي يدور بشأن دخول، أو عدم دخول غير المسلمين إلى الجنة خلافٌ هزليٌ في ظاهره، فثمة أشخاص في هذا العالم يتعاركون حول مصير غيرهم في عالمٍ لا يعرفون عنه شيئاً، لكن الخلاف في جوهره جديٌ للغاية. والنقاش هنا ليس فيما إذا كان غير المسلم سيزفّ إلى الجنان أم سيُطرح في وسط النيران، فهذا أمر أخروي بحت، وإنما النقاش في انعكاس ذلك على المجتمعات المسلمة، أعني نوعية التصوّرات التي تدور في أذهاننا كمسلمين، والتصرفات التي نسلكها في حياتنا، حين نتصوّر أن النار مصير غير المسلم لا محالة.
أول ما يحدث لمن يحمل هذا التصوّر أنه يفقد الحساسية تجاه مبدأ الثواب والعقاب، فغير المسلم مهما كان صائراً إلى الجحيم، لا أخلاق عامل بها تشفع له، ولا خدمة قدمها تفيده، ولا إنجاز حققه ينقذه، ولا تضحية بذلها ترفع درجته، إذ المعيار هو الاعتقاد الديني، أما العمل الصالح، القول والفعل، فهو هباءٌ منثور بالنسبة لغير المسلم. ومن حيث أنه يرى عمل غير المسلم هدرٌ، فيصعب عليه تقدير الإنجاز حقّ قدره، ويميل إلى الاستخفاف بالكدّ، والعرق، وسهر الليالي، بل يجرّه هذا التصوّر إلى التحرّج من نسبة الفضل إلى أهله إذا كانوا غير مسلمين، وبخس الناس أشياءهم وجهودهم وتعبهم، حتى قال أحد الكسالى الذين لا ينتجون شيئاً إن هؤلاء مسخّرون لخدمتنا!
ولا تسأل عن المعايير المزدوجة التي يتنقل بينها على ضوء الاعتقادات الدينية، فبينما يؤكد أثر البيئة في تكوين شخصية الإنسان، وأفكاره، وتصوّراته، ويعيد ويزيد في مقولة «العلم في الصغر كالنقش في الحجر»، ويؤكد في كل مناسبة على تنشئة الصغار على القيم الإسلامية، لِما لها أثر بالغ في توجهاتهم مستقبلاً، فإنه ينسى كل هذا مع غير المسلم الذي عرف دينه من بيئته، وتشكّلت تصوراته عن عالم الغيب في بيت أهله، وتلقى الاعتقادات من مدرسته، إذ لا أثر في نظره لكل ذلك على اتّباع غير المسلم دين والديه وبيئته، ولا شيء ينجيه سوى أن يمحو بالإزميل كل ما نُقش على لوح حياته، ثم يحفر المعتقدات والتصوّرات والأفكار من جديد.
وبطبيعة الحال، الأخوة الإنسانية مفهوم غريب ومستهجن عند من يعتقد بالمصير المظلم لكل المختلفين عنه عقائدياً، فهذه الأخوة في نظره تمييع للحقائق وتذويب للحواجز، ومشاعر التعاطف والتراحم والإشفاق لديه تقوم على أساس من الاعتقادات الدينية، وكلما ألمّت مصيبة بفرد من الأسرة البشرية، تريّث في إبداء تعاطفه حتى يعرف دين المصاب، ليقرر إن كان سيتعاطف معه من عدمه، ذلك أنه يعتقد أن أرحم الراحمين لن يرحم غير المسلم غداً، فأي شيء هو ليرحمه اليوم؟! وبطبيعة الحال، لا يمكن القول إن كل مسلم يعتقد بأن النيران تنتظر غير المسلمين، هو لا محالة يحمل التصوّرات الآنفة الذكر، لكن ذلك الاعتقاد بمثابة كهف متاح له دخوله أو عدم دخوله، فإن دخل هجمت عليه تلك التصوّرات كأنها أفاعٍ لدغته وسمّمت نظرته للأشياء وللناس، وإن بقي خارجاً فهذا من حسن حظه.
*كاتب إماراتي