الولايات المتحدة تعامل تركيا الآن كما لو أنها إيران. فقد قرر ترامب فرض عقوبات على وزيري العدل والداخلية في تركيا بسبب احتجاز قس أميركي. وهذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها واشنطن عقوبات على مسؤولي حكومة دولة في حلف شمال الأطلسي (ناتو). وقبل أكثر من شهر بقليل، ظهر ضباط من الجيش التركي داخل قاعدة جوية في تكساس لحضور احتفال رسمي بمناسبة بيع طائرات من طراز إف-35 أيه. والطيارون الأميركيون يقومون بطلعات جوية من قاعدة «أنجيرليك» التركية الجوية ضد أهداف في سوريا. والسبب في التحول المفاجئ في العلاقات الأميركية- التركية هو «أندرو برونسون» القس الأنجيليكاني الأميركي الذي اعتقل عام 2016 بناء على مزاعم مشاركته في انقلاب عسكري فاشل في صيف ذاك العام. والاتهامات ضده مثيرة للسخرية وتعتمد على شهود سريين ونظريات المؤامرة. وبينما تمثل حرية برونسون هدفاً جديراً بالاهتمام، لكن هناك خطراً أكبر في مسعى إدارة ترامب لتحقيق هذا الهدف. فعملية التفاوض للإفراج عن برونسون، جعلت تركيا تدرك أن دبلوماسية احتجاز الرهائن على الطراز الإيراني «تجدي نفعاً».
وتكشفت الحقائق الأسبوع الماضي حين أفرج قاض عن برونسون، لكنه أمر بإبقائه قيد الإقامة الجبرية. فقد اعتقد ترامب أنه توصل لصفقة مع الرئيس التركي من ضمنها بنك «هالك بانكاسي» الذي تديره الدولة والذي يُعتقد أنه تملص من عقوبات أميركية بشأن البرنامج النووي الإيراني. وجاء في تقرير لبلومبيرج في الأيام القليلة الماضية أنه في مقابل حرية «برونسون»، ستوصي إدارة ترامب بفرض غرامة متساهلة ضد «هالك بانكاسي» وسترسل واحداً من مديريه الموجود حالياً في سجن أميركي إلى تركيا ليقضي بقية فترة العقوبة هناك. لكن مسؤولين أميركيين صرحوا أن ترامب شخصياً توقع ألا يفي «أردوغان» بوعده، وبالتالي جاء إعلان العقوبات.
وهذا ينقلنا إلى المشكلة التالية، وهي أن «برونسون» ليس الرهينة الوحيدة لدى الأتراك حالياً. فهناك «سيركان جولج» وهو عالم أميركي تركي في وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) اعتُقل أيضا بناء على اتهامات تتعلق بانقلاب 2016. وفي عام 2017، اعتقل الأتراك اثنين من موظفي البعثات الدبلوماسية الأميركية في تركيا. فهل سيسمح ترامب بعودة المياه لمجاريها إذا أفرجت تركيا عن برونسون، بينما ظل «جولج» ومواطنون أتراك في السجن؟ وما «برونسون» إلا بيدق في لعبة أكبر. فالأتراك يزعمون أن رجل الدين التركي فتح الله جولن هو مدبر محاولة انقلاب 2016. وجولن يقيم في منفاه الاختياري في بنسلفانيا منذ عام 1999 وحصل على البطاقة الخضراء عام 2001. ويطالب الأتراك بترحيله، بينما يطالب مسؤولون أميركيون بأدلة دامغة على تورطه في الانقلاب العسكري الفاشل لعام 2016 قبل ترحيله.
بعد الانقلاب الفاشل طهر أردوغان أجهزة الحكومة من آلاف الأشخاص الذين اعتقد أنهم من الموالين لجولن وشنت حكومة أردوغان حملة لتعقب مدبري الانقلاب في الخارج. ففي أبريل الماضي، أعلن نائب رئيس الوزراء التركي، في مقابلة تلفزيونية، أن عملاء أتراكاً في 18 دولة اعتقلوا 80 شخصاً لهم صلة بالانقلاب. وهذا التوجه تجلى في سياسة تركيا الخارجية. فقد تقارب أردوغان مع روسيا التي تسيطر على جانب كبير من النطاق الجوي في سوريا. ورغم أن تركيا وروسيا على جانبي نقيض فيما يبدو من الصراع في سوريا، تفاوضت أنقرة في اتفاقات لشراء أنظمة دفاع جوي روسية ومحطة طاقة نووية. وتعلن حكومة أردوغان أنها لن تلتزم بعقوبات جديدة ستطبقها الولايات المتحدة في نوفمبر ضد بنوك وشركات تشتري النفط الإيراني.
ربما يتهاون ترامب مع البنوك التركية ويداهن أردوغان في المفاوضات. لكن المشكلة أنه حين يفعل هذا ليفرج عن مواطنين أميركيين، فإنه يخلق النمط نفسه من المخاطرة الأخلاقية التي أرساها مبعوثو الرئيس رونالد ريجان مع إيران حين قايضوا الأسلحة مقابل الرهائن. فقد احتجز الإيرانيون رهائن غربيين منذئذ. ويعرف ترامب هذا المخاطرة جيداً.
* كاتب أميركي متخصص في شؤون الأمن القومي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»