من المقرر إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي في غضون ثلاثة أشهر، ويعتزم الأعضاء الـ435 في مجلس النواب الترشح لإعادة انتخابهم، بينما يخوض المنافسة 35 عضواً في مجلس الشيوخ. وتاريخياً، يخسر حزب الرئيس الشاغل للمنصب مقاعد في هذه الانتخابات. وثمة توقعات كبيرة خلال العام الجاري بأن يستعيد «الديمقراطيون» الهيمنة مرة أخرى على مجلس النواب. ومن تبعات هذا الانتصار المأمول وضع نهاية لقدرة الرئيس دونالد ترامب على تمرير تشريعات مثيرة للجدل خلال العامين الأخيرين في مدة رئاسته الأولى قبل الانتخابات العامة في 2020، التي سيكون مرشحاً لها من دون شك.
غير أنه من الممكن أن يواجه إجراءات سحب الثقة من قبل مجلس النواب، إذا ما كانت نتائج التحقيقات بشأن دوره في محاولات التدخل السافر من قبل روسيا في انتخابات 2016 تشي بأية جرائم أو مخالفات كبيرة. وفي حين من الممكن تمرير التصويت على سحب الثقة في مجلس النواب، لكن من المستبعد تماماً أن يجد تأييداً في مجلس الشيوخ، حيث يتطلب موافقة ثلثي أعضاء المجلس لعزل الرئيس الأميركي من منصبه.
وهناك عدد من العوامل الفريدة التي من شأنها التأثير على التصويت في نوفمبر. فلو وقع حادث إرهابي خطير ضد الولايات المتحدة، فإنه من الممكن أن يساعد الرئيس وحزبه، إذ أن قضايا الأمن القومي تعزز الحاجة إلى بقاء المؤسسات القائمة على حالها في وقت الأزمة. ولا شك أن قوة الاقتصاد ينبغي أيضاً أن تعزز حظوظ «الجمهوريين». وتظهر أرقام إجمالي الناتج المحلي خلال الفصل الماضي نمواً نسبته 4.1 في المئة، وهو أعلى معدل نمو منذ عام 2014. وبلغت معدلات البطالة مستويات منخفضة تاريخية، وأخيراً تتجه أجور المواطنين الأميركيين العاديين إلى الارتفاع.
والتحديات الكبرى التي تواجه «الجمهوريين» تتعلق بالاتجاهات التي تعكسها كثير من استطلاعات الرأي الوطنية. ولعل أكثر العوامل المزعجة والدراماتيكية هي غياب أية شعبية لترامب بين النساء غير البيض والأقليات، ومن بينهم كثيرون صوتوا له في 2016. وأبرز تغيير هو خسارته تأييد النساء البيض الحاصلات على تعليم جامعي. وخلال العام الجاري ترشح عدد قياسي من النساء لمناصب على المستوى المحلي وعلى مستوى الولايات وكذلك لشغل مقاعد في الكونجرس. وما لم يتمكن ترامب و«الجمهوريون» من تحسين مستويات التأييد بين الأقليات والشابات، فإن مستقبلهم على المدى الطويل سيبدو قاتماً حتى بعد الدورة الانتخابية الراهنة.
وجزء من مشكلة ترامب مع النساء المتعلمات مرتبط بقضايا أساسية مثل سياسات الرعاية الصحية والإجهاض والتعليم. غير أن كثيراً من النساء أعرضن عنه بسبب تصريحاته وأساليبه وما يعتبره كثيرون «معاداة المرأة». وفي ضوء سنّ ترامب البالغ من العمر 72 عاماً، من المستبعد أن يغير أسلوبه أو ميله إلى الحديث ونشر التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بصورة تستفز كثيرين.
ومن القضايا الأخرى التي يمكن أن تؤثر على التأييد للجمهوريين قرار ترامب بشن حرب تجارية مثيرة للجدل ومتعددة الجبهات في آنٍ واحد مع أوروبا والمكسيك وكندا واليابان وكوريا الجنوبية والصين. ورغم وجود تأييد كبير لاتخاذ موقف حاسم مع حالات العجز التجاري، لاسيما مع الصين، فإن الأسلوب الذي رفع به ترامب الرسوم الجمركية وفي غياب مفاوضات جادة للتعامل مع المشكلة بأسلوب منطقي ومتوازن، قد كلّف بالفعل كثيراً من الصناعات الأميركية البارزة خسائر في الدخل. وينطبق ذلك خصوصاً على عدد من الولايات المحافظة التي تنتج كميات كبيرة من المنتجات الزراعية مثل فول الصويا الذي كانت تستورده الصين. وإذا بدأ الأميركيون في خسارة وظائفهم ودخلهم بسبب الحروب التجارية، فلن يلوموا عندئذ أحداً سوى «الجمهوريين»، وربما يحولون تأييدهم لـ «الديمقراطيين».
وستشهد الأشهر المقبلة نشاط الحملات الانتخابية في أنحاء الولايات المتحدة، وسيتعين على «الديمقراطيين» الحفاظ على مقاعدهم الـ194 التي يشغلونها في مجلس النواب، والفوز بأكثر من 24 مقعداً على الأقل من المقاعد التي يسيطر عليها «الجمهوريين» حالياً. وقد يبدو هذا ممكناً تماماً، إذ تشير استطلاعات الرأي الراهنة إلى ما يمكن وصفه بـ«موجة زرقاء» من التأييد لـ«الديمقراطيين» في أنحاء أميركا. غير أنه مثلما قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق «هارولد ويلسون» ذات مرة: «أسبوع في السياسة هو وقت طويل»، لذا، ربما تجدر الإشارة إلى أن ثلاثة أشهر في السياسة قد تبدو دهر الداهرين!