عادة عندما يشبِّه شخص ما الحملة الحالية للحكومة الأميركية ضد التدخل الروسي بـ«الهلع الأحمر» (التخويف من الصعود الممكن للشيوعية أو اليسار الراديكالي في الولايات المتحدة) الذي كان سائداً في الخمسينيات، فإن القصد من ذلك هو التحذير وأخذ العبرة. ولكن دعونا من القوائم السوداء و«الأنشطة اللاأميركية».
غير أنه في هذا الأسبوع أحال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى هذه الفترة من التاريخ، في معرض حديثه عن التهديد الذي تعتقد أجهزة الاستخبارات الأميركية أنها تواجهه. ففي مقابلة مع المذيع المحافظ «مارك ليفين»، تحدث بولتون عن التدخل الروسي والأجنبي الذي تحاول الحكومة الأميركية التصدي له، مشيراً بشكل مباشر إلى هذه الفترة: «لنتذكر أيام الاتحاد السوفييتي، وقتئذ بذل الشيوعيون جهداً في الأربعينيات والخمسينيات من أجل التأثير على الرأي العام الأميركي عبر السيطرة على هوليود، وعبر السيطرة على نقابة العاملين في السينما والتلفزيون «إس. إيه. جي»، وعبر إخضاع اتحادات الكتاب والمنتجين لسيطرتهم. وهذا ما جاء برونالد ريجان إلى الحياة السياسية، من أجل إيقاف ذاك الجهد الرامي إلى التأثير على الرأي العام عبر السيطرة على هوليود. إن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الآن يمثل بالنسبة للروس وسيلة تعبير جديدة، ولكن التكتيك هو نفسه. لقد كنا حذرين إزاء هذا الأمر في الأربعينيات والخمسينيات، واليوم علينا أن نكون حذرين إزاء هذا النوع من التدخل الأجنبي».
بيد أن سياق هذا الكلام يمثل مصدر سخرية كبيراً. ذلك أن بولتون يدافع عن رئيسه في العمل دونالد ترامب على خلفية اتهامات «الديمقراطيين» له بالتقصير إزاء التهديد الروسي لنظامنا الديمقراطي. بولتون يقول إن ذلك غير صحيح، وإن ترامب يدرك جيداً تهديد التدخل الروسي ووجّه تعليمات لجواسيسه وقراصنته الإلكترونيين بضرورة حماية الجمهورية من هذا التهديد، على غرار ما فعل مكتب التحقيقات الفيدرالي، الـ«إف. بي. آي»، خلال عقدي الأربعينيات والخمسينيات.
غير أن ترامب يبدو أحياناً مثل الاشتراكيين والشيوعيين الذين طاردهم الـ«إف. بي. آي» في الخمسينيات؛ حيث يصف ترامب تحقيق المحقق الخاص روبرت مويلر ضده بكلمة مستعارة من مسرحية الكاتب الأميركي آرثر ميلر «البوتقة» 1953 حول محاكمة الساحرات وتعليق على الهستيريا المناوئة للشيوعيين التي أججها السيناتور «الجمهوري» جو ماكارثي. وعلى غرار التقدميين القدامى قبل 70 سنة، عبّر ترامب أيضاً عن رغبته في التوصل إلى اتفاق مع موسكو: «إن التوافق مع موسكو شيء جيد». ولا شك أن مناوئي الشيوعية في الخمسينيات كانوا سيصفون هذا النوع من الكلام على الأرجح بأنه سذاجة خائنة.
والواقع أن التشابه واضح بين الحملات السوفييتية أيام الحرب الباردة والتدخل الروسي اليوم. فتوجيه مويلر التهم رسمياً لـ13 مواطناً روسياً في فبراير الماضي تحدّث عن حملة تضليل ومعلومات مغلوطة أنشأت حسابات مزيفة على موقعي تويتر وإنستغرام تحض المسلمين والسود على الإمساك عن التصويت في انتخابات 2016.
الفرق بالطبع هو أن قدوم وسائل التواصل الاجتماعي يسهّل أكثر إشاعة الأكاذيب بشكل مباشر إلى الناخبين. ففي الماضي، كان على جواسيس الـ«كي جي بي» استثمار صحفيين مقربين، وإنشاء صحف، ونشر الدعاية على نحو حذر. أما اليوم، فإن الأمر لا يتطلب سوى بعض الحسابات على «تويتر» و«فيسبوك».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»