منذ أربعة أيام خلت تحديداً 12 أغسطس الجاري أطلق صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة «المبادرة العالمية لشباب الإمارات»، بهدف تعزيز دور الشباب عالمياً في التعريف بقيم دولة الإمارات الأصيلة وثقافتها، وتجربتها الحضارية في التسامح والتعايش وبناء الإنسان، ومن بين ما ذكر سموه ما يلي:«إننا في سباق مع العالم لا يتوقف، لكننا نستطيع تحقيق التقدم باستثمارنا في ركيزتين أساسيتين، هما: العلم، والكوادر الوطنية النوعية المتميزة التي ستقود البلاد خلال المراحل المقبلة، وهما خيار الدولة الاستراتيجي ورهانها لتحقيق ما تصبو إليه من مستويات عالمية، مستعينين بالله تعالى أولاً، ثم بما يتسلحون به من معرفة وعلوم، مع توظيف معطيات العصر من ذكاء اصطناعي وأحدث التكنولوجيا».
من النَّاحية العملية، فإن حديث سموه عن الاستثمار في ثنائية العلم(المعرفة بكل أنواعها) والكوادر الوطنية(خاصة الشباب) رغم أهميته على مستوى الخطاب السياسي، فهو أيضا يطرح رؤيته للتقدم والتطور والسير في رحلة الزمن، تعايشاً مع حاضر الدولة، واستحضاراً للمستقبل بما في من هواجس آنية وتساؤلات تتطلب إجابات تلتحف بِصِيَغ اليقين، وتزيل الظنونَ والشكوكَ، لينتهي طرح سموه إلى وضع استراتيجية دائمة غير منحازة ولا متأثرة بالتكتيك المرحلي لتوظيف المقدرات، وهناك تجاوب عملي لرؤيته من طرف الشباب السَّاعي إلى المعرفة، تظهر تجلياته داخل الدولة وخارجها، ويحق لنا هنا ذكر حالة دالة حاورتها في معرض ساوباولو للكتاب على هامش مشاركة الشارقة كضيف شرف تجلت فيها عزيمة الشباب، وكشفت عن قدرة القيادة في دولة الإمارات العربية على كسب الرهان، وهو ما أكد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في كل المناسبات.
الحالة هنا، يمثلها محمد راشد النقبي، طبيب إماراتي متخصص في جراحة الوجه والفكين، درس في كلية الطب في جامعة القاهرة، وتلقى دراسته التطبيقية طب أسنان في مستشفى القصر العيني، ثم انتقل إلى ألمانيا، وفيها تخرج طبيبا متخصصا في الوجه والفكين، ثم عاد إلى الإمارات، وعمل في مستشفى «توام» بمدينة العين، وبعد سنتين، قرر أن يعمق تخصصه، وأن يكتسب مزيداً من التجارب، فشد الرّحال إلى ساو باولو البرازيل، وهناك تعلم البرتغالية، وتمكَّن منها، ويجري حاليا عمليات جراحة ناجحة في المستشفيات العامة والخاصة، وهو بكل المقاييس حالة دالة على النجاح الذي حققه الشباب الإماراتي، ويُجِيد كتابة وشفاهة أربع لغات هي: العربية، الألمانية، الإنجليزية، والبرتغالية.
حين تجالس الدكتور محمد النقبي تحس بأريحية خاصة، فهو قريب من الروح لدرجة ترى فيه أمانيك، ومعه ولو لزمن قليل يحدوك الأمل في غد أفضل للأجيال العربية المقبلة، تجده شامخا في تواضعه، دقيقا في كلماته، وفي كل ذلك مبتسم، وبالنسبة لي فقد عاد بي أثناء حواري معه إلى حيث نشأتي الأولى، حيث «ما في البداوة من عيب تذم به» كما يقول الأمير عبد القادر سألته: أَبَعْدَ هذا النَّجاح تُفكِّر في العودة إلى الإمارات؟، أجابني بحزم: وكيف لا أعود إليها، وأنا من أجلها خرجت؟!.. قلت: أَلِأَّنك مبتعث من طرف الدولة؟، قال: ليس لهذا فقط، ولكن لأن الإمارات تسكنني، ولأننا نحن أبناء زايد تعلّمنا من والدنا المؤسس وممن كانوا حوله، وممن يقودوننا اليوم: كيف نحب الوطن.. سألته: لماذا لم تتزوج برازيلية تؤانسك في غربتك؟.. قال مُبْتسما: لأتزوج عند عودتي إماراتيَّة.. تأملته، والفؤاد غير قادر على فراقه، واليوم وأنا أتابع تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، أحسب أن سموه يتكلم عن وإلى من هم أمثال الطبيب محمد راشد النقبي.