يشكل ما يقارب 6 ملايين يهودي في الولايات المتحدة الأميركية ثاني أكبر تجمع لليهود في العالم بعد فلسطين التاريخية المحتلة. وفي حين فضل الكثير، ولا زالوا يفضلون، البقاء في الولايات المتحدة رغم الإغراءات الإسرائيلية، فإنهم استمروا بدعم إسرائيل كغيرهم من «يهود الشتات» سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، وهذا الأخير، بحسب دراسة نشرتها وزارة الشتات بحكومة الاحتلال العام الماضي دعم يشكل: «6.35% من الزخم الاقتصادي الإسرائيلي مرتبط بأنشطة وتبرعات يهود الشتات، بما يعادل قرابة 25 مليار شيكل سنوياً، ما يعني أنه في حال تم وقف المساهمات والتبرعات اليهودية الأميركية وغيرها، سوف تفقد إسرائيل مورداً مهماً للدعم».
غير أنه، منذ منتصف العام المنصرم 2017، ظهرت إلى العلن الخلافات الواضحة بين الجالية اليهودية في الولايات المتحدة وإسرائيل في مسألتي الحائط الغربي وقانون الهجرة، حيث قررت حكومة (بنيامين نتنياهو) بالنسبة للمسألة الأولى تجميد «التسوية بشأن الحائط الغربي» في حين ظل ضغط الأحزاب الدينية الأرثوذكسية في إسرائيل الموجهة ضد ممارسة الحرية الدينية في جهة الصلاة الخاصة باليهوديات وإلغاء الصلاة المختلطة بين الرجال والنساء أمام حائط البراق، الأمر الذي يتعارض مع مواقف التيارات اليهودية الأميركية التي يغلب عليها الطابع الليبرالي الإصلاحي. وبالنسبة للمسألة الثانية، جمدت حكومة (نتنياهو) قانون «اعتناق اليهودية الخاص»، حيث كان يسمح للحاخامات الأرثوذكس الأميركيين بأن يجروا عملية اعتناق اليهودية للكثير من الناس في الولايات المتحدة. ويعتبر القانون الخاص هذا مهماً جداً بالنسبة لليهود الأميركيين، لأن مَن يخضع لعملية اعتناق اليهودية وفق الطريقة الأرثوذكسية، يمكن أن يكون مواطناً في «دولة إسرائيل» بموجب ما يسمى «قانون العودة»، والآن لا تعترف المؤسسات الإسرائيلية بالأميركيين الذين يعتنقون اليهودية وفق القانون آنف الذكر، ولن تسمح لهم بالهجرة إليها والحصول على جنسيتها.
وقد كشف استطلاع جديد أجرته أيضاً اللجنة اليهودية الأميركية عن انقسامات عميقة بين يهود إسرائيل ويهود أميركا، خاصة فيما يتعلق بسياسة الرئيس الأميركي (دونالد ترمب)، وقد سلط الضوء على الانشقاق المتنامي بين أكبر جماعتين يهوديتين في العالم هما اليهود الأرثوذكس واليهود من تياري الإصلاحيين والمحافظين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من اليهود الأميركيين. ووفقاً للاستطلاع فإن «77 في المئة من اليهود الإسرائيليين يوافقون على توجهات ترامب مع العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، في حين وافق 34 في المئة فقط من اليهود الأميركيين». ورفض «57 في المئة من اليهود الأميركيين طريقة تعامل ترامب، بينما رفضها 10% فقط من يهود إسرائيل». بالمقابل، وقع (170) باحثاً يهودياً من كليات وجامعات أميركية بياناً أعربوا فيه عن «الفزع» من اعتراف (ترامب) بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأكدوا «إن القدس تعتبر ذات أهمية دينية كبيرة لليهود والمسلمين والمسيحيين على السواء، وإن إعلان (ترامب) الذي يبدو أنه يؤيد الملكية اليهودية الفردية للقدس، يضيف استفزازاً إلى الجراح المستمرة ويؤدي إلى إشعال نار العنف، ولا بد -أميركياً- من توضيح حصة الفلسطينيين المشروعة في مستقبل القدس».
في مقال حديث حذر رئيس الوكالة اليهودية (ناتان شارانسكي) من أزمة عميقة تتعاظم جراء تخلي يهود الولايات المتحدة الأميركية عن إسرائيل بشكل متزايد، مضيفاً أن «تلك الظاهرة في غاية الخطورة، إذ تشجع على ضياع الهوية اليهودية لملايين اليهود الأميركيين جراء الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها على حساب شعورهم بالانتماء لإسرائيل». وختم: «اليهود الشباب في الجامعات الأميركية يسمعون كثيراً أن إسرائيل ليست وطنهم، وطالما أنه يهودي ليبرالي عليه أن يبتعد عن أية صلة بإسرائيل، وأن هذه الأخيرة لا تريده عندها. لذلك، علينا أن نعمل ضد ذلك طوال الوقت». من جانبه، ومن زاوية خاصة، يقول الكاتب (حيمي شليف): «المشكلة هي أنه على أيدي نتنياهو وترامب، هذه العلاقات تأخذ بالضرورة طابعاً يمينياً وطنياً مسيحانياً بارزاً، الذي لا يعبر عن الإجماع في إسرائيل، وأقل من ذلك عن روح يهودية الولايات المتحدة الليبرالية». وفي السياق، يفسر المحلل السياسي (أمنون لورد) هذه التطورات، فيقول: «لقد تحول جزء من المؤسسة النخبوية ليهود أميركا إلى مُجافين لإسرائيل... وخلال السنوات التي تلت غزو العراق، بدأت حملة تحريض محكمة ضد يهود الولايات المتحدة بحجة أن مستشاريها ومفكريها هم الذين قادوا الولايات المتحدة بتشجيع من إسرائيل إلى الحرب في العراق. وفي أبريل 2008 أنشئت منظمة «جي ستريت» (وهي منظمة يهودية موالية لإسرائيل لكن ضد سياساتها المتشددة اليمينية) والتي استطاعت أن تكتسب أهمية بتأثير من الشخصيات التي تقودها، كما أن قسماً منهم كانوا ينتمون إلى طاقم بيل كلينتون في ذلك الوقت. حتى ذلك الوقت، كان هناك صوت موحد ليهود أميركا بشأن الموضوعات التي لها علاقة بإسرائيل أو موضوعات استراتيجية أميركية تتعلق بإسرائيل، ولكن ظهور «جي ستريت» كسر وحدة الصف».
اليوم، الكل الأميركي يتجه نحو اليمين، فبعد عام واحد من إنشاء «جي ستريت» تشكلت «حركة الشاي» الحركة الأكثر يمينية من الحزب «الجمهوري» رغم أن أعضاءها يعتبرون أنفسهم من ضمن الحزب «الجمهوري»، والذي، ومنذ سنوات طويلة، يزداد تطرفاً ويمينية، ويسيطر على البيت الأبيض والكونجرس الآن، فيما التحولات في داخل الحزب «الديمقراطي» لا تسير باتجاه الليبرالية، بل نحو الوسط باتجاه اليمين. ورغم ذلك فإن المخاوف الإسرائيلية تتجسد من فقدان يهود الولايات المتحدة، وخاصة الشباب، الاهتمام بإسرائيل، وفي هذا يتساءل الكاتب الإسرائيلي (درور ايدار): «هل سنتمكن من وقف الانجراف الهائل للاختفاء الهادئ ليهود الولايات المتحدة من أوساط (الشعب اليهودي). مسألة هوية الجيل الشاب تحوم فوقنا».