من الأسئلة الكاشفة لمعاناة وعذاب الإسرائيليين بشأن حرب أكتوبر وخطة الخداع الإستراتيجي المصرية ودور أشرف مروان صهر الرئيس عبد الناصر وسكرتير الرئيس السادات فيها ؛ سؤال يطرحه ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق ومؤلف كتاب «الملاك» أوري بار يوسف. والسؤال يقول نصه ( كيف يُعقل أن الحكومة المصرية لم تقم بأي محاولة للتحقيق مع مروان أو إخضاعه للمحاكمة في الفترة ما بين الكشف عن اسمه الحركي من جانب المصادر الإسرائيلية وهو «بابل» في عام 2002 وبين موته في 2007 ؛ بل كرمته وعظمت مساهمته في حرب أكتوبر 1973).
إن محتوى هذا السؤال تعني أن المصادر الإسرائيلية تشعر بحسرة لعدم تصديق المصريين لحكايتها الخرافية حول أن مروان لم يكن عميلاً مزدوجاً يضلل إسرائيل بل كان جاسوساً مخلصاً لها وهو سؤال يعني أن الكتاب والفيلم اللذين بنى عليهما دليل على أن الأجهزة الإسرائيلية تحتاج إلى تكرار هذه الحكاية الخرافية في محاولة لإقناع الأجيال الإسرائيلية الجديدة بها حتى لا تهتز ثقتها في أسطورة المخابرات التي لا تقهر. أيضاً هي في حاجة للإلحاح عليها في محاولة لهز ثقة الأجيال العربية في نجاح خطة الخداع الإستراتيجي المصرية، التي مكنت الجيش المصري من عبور قناة السويس، والجيش السوري من اجتياح هضبة الجولان في المرحلة الأولى من الحرب قبل التدخل الأميركي.
لفهم هذا السؤال نلفت النظر إلى أن الأجهزة الإسرائيلية حائرة حتى الآن في اختياراإسم حركي يشير إلى أشرف تستقر عليه، فمرة يسمونه «بابل»، ومرة يسمونه «الصهر»، ومرة يسمونه «الملاك»، وهي حيرة تكشف، مع براهين عديدة أخرى، أن هناك عملية اصطناع إسرائيلية لـ«حدوتة» أن أشرف كان جاسوساً لإسرائيل. هذه الحيرة ناتجة عن محاولات متعددة لتحسين صورة الحكاية المصطنعة للانتقام المعنوي من المصريين والعرب بقصة خرافية تحاول إفهامنا أن المصاف العليا للقيادة السياسية والعسكرية في مصر كانت مخترقة عن طريق الموساد.
محاولة الانتقام الإسرائيلية هذه تأتي نتيجة إحساس الإسرائيليين حتى الآن بالوجع من فشلهم المخابراتي الذريع عندما انطلقت المدافع والطائرات العربية في جبهتي سيناء والجولان قبل أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من استدعاء قوات الاحتياط وهي القوة الضاربة للجيش الإسرائيلي، وقبل أن يتمكن سلاح الطيران الإسرائيلي من توجيه ضربة إجهاضية للحشود العربية كما سبق وفعل بنجاح في حرب يونيو 1967، وهذا كله بسبب التضليل المصري الذي وقعت في فخه المخابرات الإسرائيلية.
هذا السؤال الذي يطرحونه يعذب المؤلف المذكور وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، لأنه ببساطة ينقض ادعاءهم بأن مروان كان جاسوساً مخلصاً للموساد ويدحض محاولاتهم لنفي صحة ما قاله الجنرال إيلي زاعيرا رئيس المخابرات العسكرية أثناء الحرب من أنه اكتشف بعد الحرب أن مروان كان يخدع الموساد ورئيسها الجنرال «تسيفي زامير»، ويكسب ثقته بتقديم معلومات صحيحة بهدف أهم، وهو صرف نظر القيادات الإسرائيلية عن الموعد الفعلي للهجوم المصري السوري.
يرصد المؤلف الإسرائيلي في ضيق وحسرة رد الفعل الرسمي لدى المصريين عندما سقط أشرف من شرفة منزله في لندن عام 2007، ويسجل المؤلف البيان الذي أعلنه الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونعى فيه أشرف مروان ووصفه بأنه رجل وطني حقيقي مخلص لبلده. أضاف مبارك في بيانه أنه كان يعرف شخصياً الخدمات الجليلة التي قدمها أشرف لأمته. كذلك يسجل المؤلف الإسرائيلي في حسرة تلك الجنازة الرسمية المهيبة التي أقيمت لتشييع جثمان أشرف، ولكنه يحاول بطريقة فاشلة أن يدعي أن كل هذا التكريم الرسمي المصري لأشرف لم يكن في محله. يجاهد المؤلف الإسرائيلي في الكتاب والفيلم لإقناعنا عبثاً بقصته الخرافية التي تم بناؤها لإيهام المصريين والعرب أنهم لا يجب أن يعتزوا بخطة الخداع الإستراتيجي المصرية التي قامت بتنويم القيادات الإسرائيلية وخدرت حواس اليقظة الأمنية عندهم.