تقول الحكاية إن رجلاً التمس من فارس مرّ به أن يأخذه معه في طريقه نحو المدينة، بعد أن تقطّعت به السبل في الصحراء، فرقّ قلب الفارس لحال الرجل وأردفه معه. وفي بعض الطريق توقفا للراحة، وفي هذه الأثناء غافل الرجل الفارس وانطلق بفرسه، فناداه قائلاً: يا هذا، أما الفرس فسأشتري غيرها من السوق، لكن من أين أشتري الرحمة التي انتزعتها من قلبي؟! ومثل هذا قد يحدث في الثقة العامة بالشهادات الجامعية، حيث ينتزع ثلة من المزوّرين الثقة المفترضة بالمؤهلات الجامعية وبحملتها، وبالألقاب العلمية وبأصحابها، حيث لم تعد القضية قضية شهادات صادرة من جامعات ضعيفة أو متساهلة أو غير معتمدة، وإنما قضية «شهادات» صادرة من «جامعات» لا وجود لها، بمعنى أن الضرب في الثقة العامة بالمؤهلات والألقاب العلمية بلغ العظم.
وقد نشرت جريدة «الاتحاد» قبل ثلاث سنوات تقريراً حول الجامعات الوهمية على الإنترنت، جاء فيه أن تحقيقاً أجرته جريدة «نيويورك تايمز» حول شركة متخصصة في بيع الكذب العلمي عبر مواقع على شبكة الإنترنت وقنوات التواصل، تروّج من خلالها للدراسة في نحو 200 جامعة وكلية، بدءاً من المرحلة الثانوية حتى الجامعية، مع روابط إلكترونية وهمية لهذه المؤسسات، وأسماء لأساتذة وعمداء بهذه الجامعات الوهمية، وروابط إلكترونية وهمية لهيئات اعتماد أكاديمي إقليمية وعالمية، وأن عمليات الشركة طالت 100 دولة حول العالم.

ومنذ فترة نذر بعض المغردين في «تويتر» أنفسهم لكشف حملة الشهادات الوهمية من العاملين في دول الخليج، ما دعا جريدة «أخبار الخليج» البحرينية للدخول على الخط عبر تقرير بالأدلة حول تورط العشرات من المسؤولين في القطاعين العام والخاص في قضية الشهادات الإلكترونية الوهمية، حتى صدر توجيه رسمي في البحرين بالتأكد من هؤلاء وبإحالتهم إلى القضاء.
ومن بين من أشارت إليهم الصحيفة البحرينية مديرو موارد بشرية، ومديرو حسابات، ومهندسون، ومدرسون، ومسؤولون في بنوك وشركات تأمين وشركات طيران ووكالات سيارات، إضافة إلى مسؤولين في وزارات. وفي الكويت القضية مشتعلة أيضاً، حيث الشكوك تدور حول شخصيات بارزة متورطة بشهادات وهمية، وفي السعودية وجهت النيابة العامة تهمة التزوير بحق مئات المهندسين العاملين على أراضيها.
وفي الإمارات، القضية لم تسخن بعد، حيث يُصعب الاستفادة من الشهادات الوهمية في الجهات الحكومية، إذ لا بد من معادلة الشهادة لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لكن الأمر لا يجري هكذا في أغلب القطاع الخاص، كما أن ضرر الشهادة الوهمية لا ينحصر في فتح أبواب التوظيف واتخاذ القرار أمام المزوّرين، فثمة ضرر في «تمنظر» المزوّرين بالألقاب العلمية وإفساح الطريق أمامهم في الفضاء العام باعتبارهم من حملة الشهادات «الكبيرة»، هذا فضلاً عن أن التزوير في المحررات والعملات يعد من الجرائم المخلّة بالثقة العامة.
ومع ذلك، لا بد من التفريق بين من كان ضحية خداع علمي، وبين من حصل على الشهادة الوهمية بعلم وإدراك بأنه لم يبذل أي جهد للحصول عليها سوى سداد مبلغ من المال للمزوّر الأصلي.
والقانون في الإمارات يجرّم كافة صور ظاهرة الشهادات الوهمية، سواء التزوير في محرر غير رسمي، أو استعمال ذلك المحرر مع العلم بتزويره، وهذا ينطبق على من يستخدم الشهادة الوهمية في التوظيف، وكذلك انتحال الألقاب العلمية والجامعية، وهذا ينطبق على من يكتفي بـ«التمنظر» بالوهم الذي دفع قيمته. وكل هذه الجرائم تعد جرائم مستمرة لا تسقط الدعوى فيها بمضي المدة ما دام الجاني يتمسك بالمحرر المزور أو يتمسك بالصفة العلمية المنتحلة.
*كاتب إماراتي