اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الأوروبيين مؤخراً تمويل إعادة إعمار سوريا من أجل السماح للاجئين الذين فروا من بلدهم بالعودة.
هذا الاقتراح قد يبدو مغرياً بالنسبة للأوروبيين، فأوروبا دخلت في أزمة عميقة بسبب تدفق اللاجئين عليها، خاصة السوريين.
ذلك أن بلدان أوروبا الشرقية تعارض استقبال اللاجئين على خلفية البروباجندا العنصرية بشكل صريح، وألمانيا تعرف حالياً صعوداً لليمين المتطرف، هذا في حين شهدت إيطاليا، البلد المؤسس للاتحاد الأوروبي، وصول هذا اليمين المتطرف إلى السلطة، بفضل شعارات مناوئة للاجئين.
وبالتالي، فلا شك أن من شأن وقف تدفق اللاجئين، والسماح بعودتهم إلى بلدهم، أن يؤدي إلى تهدئة الأزمة التي تعصف بالاتحاد الأوروبي.
ومن شأن هذا أيضاً أن يخفف من عبء تركيا التي تستغل احتضانها لـ3.5 مليون لاجئ سوري، وعدم دخولهم بلدان الاتحاد الأوروبي كوسيلة ضغط على هذا الأخير، إلى جانب لبنان التي أُنهكت كثيراً بسبب أزمة اللاجئين.
وبالتالي، فمن ذا الذي لا يرغب في وضع حد للحرب الأهلية السورية وللجحيم الذي يعيشه شعبها؟ ولكن المناورة تبدو مكشوفة.
ذلك أن شطب وتجاهل كل ما حدث سيكون بمثابة إعفاء لبشار الأسد من كل الجرائم التي ارتكبها، ومن القمع الدموي الذي مارسه في حق شعبه، مع السماح لروسيا وإيران بمواصلة السيطرة على سوريا بتكلفة صغيرة، كما أن تصوير بشار على أنه ضامن السيادة السورية هو محض أسطورة، نظراً لاعتماده الكبير على حماته الأجانب.
لقد سمح التدخل العسكري الروسي في سوريا، اعتباراً من خريف 2015 لبشار الأسد بإعادة السيطرة على المناطق التي فقدها. ولولا الدعم الروسي والإيراني، لكان أُسقط منذ وقت طويل.
ولكن ومثلما سبق أن أشرتُ إلى ذلك، عقب إعادة السيطرة على حلب، فإن الروس يجدون أنفسهم أمام قاعدة «إذا كسرته، فإنك تصبح مسؤولاً عنه».والحال أن روسيا ليست لديها الإمكانيات، ولا الإرادة لتمويل إعادة إعمار سوريا.
وقد كسب بشار الأسد الرهان عبر تكثيف القمع باستمرار، ومن خلال إطلاقه سراح الإسلاميين المتشددين الذين كان يسجنهم، نجح في إسكات المعارضة المعتدلة – التي لم تتلق مساعدة كبيرة، بل وتم التخلي عنها، وخذلها من قبل الغربيين.
وتمكن من البقاء في السلطة بثمن باهظ جداً هو تدمير بلد، و500 ألف قتيل - يتحمل هو مسؤولية مقتل الجزء الأكبر منهم - و12 مليون لاجئ.
ومما لا شك فيه ألا أحد له مصلحة في حدوث فراغ في السلطة، فقد رأينا نتائج ذلك في ليبيا والعراق، غير أن المطالبة برحيل بشار الأسد لا يمكن أن تشبَّه بوضع هذين البلدين.
كما أنه من الخطأ تصويره كممثل لـ«الجنوب» الذي يكافح ضد القوى الغربية أو إسرائيل، وهي القوى التي تكيفت دائماً مع وجوده في السلطة.
فشراسته الشفهية كانت ترافقها دائماً رغبةٌ في الحفاظ على الوضع القائم الذي كان يدرك أنه غير قادر على تغييره.
أما في ما يتعلق بتنظيم «داعش»، فإن بشار الأسد ليس حاجزاً، وإنما عامل تجنيد تسببت سياسته الطائفية والقمعية في كثير من الآلام والكراهية.
لكل هذه الأسباب، يتعين على بشار الأسد أن يرحل عقب مفاوضات، وليس عقب تدخل عسكري خارجي.
ويستطيع الغربيون – ولكن ليس وحدهم فقط – قبول المشاركة في إعادة إعمار البلاد.
ومن أجل تجنب الفراغ، ينبغي مثلما تم اقتراح ذلك منذ وقت طويل، إشراك عناصر من النظام، ولكن من دون بشار الأسد، ومن المعارضة ولكن من دون المتطرفين، وكل ذلك عبر مفاوضات عامة تشمل كل الأطراف.
وخلاصة القول، إن على الغربيين أن يربطوا إعادة إعمار سوريا، التي تعتبر مهمة وضرورية بالنسبة للجميع، بهذا الحل.
غير أنه لا يمكن أن يكون ثمة حل مفروض، لا من قبل الأميركيين، ولا من الروس.
فقد أخطأ الغربيون عندما أرادوا في البداية تنحية روسيا من تسوية المشكلة السورية، ومن الخطأ اليوم أن تعتقد موسكو أنها تستطيع فرض تسوية وفق شروطها وحدها، فهي ليست أقدر من الغربيين على فعل ذلك.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية - باريس