بدت تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة حول صفقة القرن مثيرة للاهتمام، فقد قال في خطاب في فرجينيا إن إسرائيل سوف تدفع ثمناً أعلى للفلسطينيين، وسوف يحصلون على شيء جيد جداً لأن دورهم قد حان مقابل اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. نلاحظ أن الرئيس الأميركي لم يفصح عن طبيعة هذا الثمن الذي ستدفعه إسرائيل، غير أنني ما زلت أعتقد أن الدول العربية المؤثرة وهي مصر والسعودية والإمارات والأردن تقوم بدور ضاغط لإقناع الرئيس الأميركي بالمطالب العربية الواردة في مبادرة السلام العربية وبضرورة تضمينها في «صفقة القرن». هذه المطالب المعروفة هي إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 مع الموافقة على مبدأ تبادل نسبة من الأراضي، وأن تكون القدس الشرقية المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين.
ومن الأمور الإيجابية أن الموقف الرسمي الفلسطيني قد تفاعل مع تصريحات الرئيس الأميركي المذكورة بدلاً من التزام موقف المقاطعة، فقد قال مجدي الخالدي المستشار الدبلوماسي للرئيس محمود عباس، إن التعويض الوحيد الذي يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة للفلسطينيين على نقلها سفارتها إلى القدس هو الاعتراف بدولة فلسطين، والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لها في إطار اعتراف أميركي بحل الدولتين
كحل وحيد للصراع.
هذا التفاعل الفلسطيني الإيجابي مع وعد ترامب بأن يحصل الفلسطينيون على ثمن أعلى من إسرائيل، يثير القلق عند اليمين الإسرائيلي صاحب أيديولوجية التوسع، خصوصاً أن الخارجية الفلسطينية أصدرت بياناً نقدياً للسياسات التي يطبقها اليمين الإسرائيلي في قضم وهضم أرض الضفة. من الجدير بالتذكر أن الرئيس ترامب كان قد قال لرئيس الحكومة الإسرائيلية، في شهر مايو الماضي في منتدى الاقتصاد العالمي بدافوس بسويسرا: (لقد فزت بنقطة وسيكون لزاماً عليك التنازل عن نقاط أخرى في المفاوضات).
لقد أثار هذا التصريح من جانب ترامب قلق زعيم حزب «البيت اليهودي» المتطرف المشارك في حكومة نتنياهو الائتلافية «نفتالي بينت»، غير أن أفيجدور ليبرمان وزير الدفاع الذي عرف عنه التطرف أيضاً، أبدى تفهماً مثيراً للانتباه لتصريح ترامب المذكور، والذي كرره أخيراً في فرجينيا. قال «ليبرمان» إن إسرائيل ستجد نفسها مضطرة على الأرجح لدفع ثمن مقابل نقل السفارة الأميركية للقدس، فليس هناك وجبة غذاء مجانية. المهم أن ليبرمان اليميني المتطرف أبدى استعداده لدفع الثمن، حيث أضاف أن نقل السفارة أمر يستحق أن ندفع هذا الثمن. هذا مؤشر على أن بعض وزراء اليمين في حكومة نتنياهو يمكن
أن يتقبلوا الضغط الذي قد يقع عليهم من ترامب لتحقيق بعض المطالب العربية في التسوية.
المشكلة أمامنا كمراقبين أن هناك إطاراً شديداً من السرية تضربه الإدارة الأميركية على مشروع «صفقة القرن»، مما يجعلنا نعتمد في تحليلاتنا على مصدرين الأول: التسريبات التي تنشرها الصحف الأميركية والإسرائيلية نقلاً عن المسؤولين، والثاني تصريحات أعضاء فريق ترامب، والتي تأتي هي الأخرى غامضة، مثال ذلك التغريدة التي قال فيها «جيسون جرينبلات»، ممثل ترامب الخاص، إن الطريقة الوحيدة لتحقيق
اتفاق وضع دائم هي أن يقبل الطرفان بتنازلات مؤلمة، وهي تغريدة تتفق مع تسريبات بالصحف الإسرائيلية لرسميين أميركيين أن مشروع ترامب للسلام سيتطلب تنازلات من الطرفين. هنا يجب أن نهتم بالنقاط التي وردت ببيان الخارجية الفلسطينية الأخير والذي ينتقد صمت الإدارة الأميركية على التصعيد غير المسبوق في العمليات الاستيطانية الاستعمارية التوسعية على حساب أرض دولة فلسطين، والذي يتمثل
في بناء وحدات استيطانية جديدة وربط البؤر الاستيطانية في الضفة بشبكة طرق تصادر أراضي الفلسطينيين لتخلق كتلة استيطان موحدة ومترابطة تضم إلى إسرائيل.