تركة السيناتور «الجمهوري» جون ماكين يتم التعبير عنها أحياناً في صورة عالمية تتمثل في دفاعه عن حقوق الإنسان وأحياناً يتم التعبير عنها في صورة أقل إطراء تتمثل في حبه للحرب. فقد كان «ماكين» يؤمن بحقوق الإنسان، ويعلم أن القوة أحياناً ضرورية للدفاع عنها. لكن إيمانه كان يستقر على دافع أكثر استقامة يتمثل في الوطنية. لقد كان من «الأميركي» للغاية أن يؤيد «ماكين» السوريين والعراقيين والبوسنويين والكوسوفيين والأوكرانيين والجورجيين والبورميين والروس الأحرار. وكان «ماكين» يتحرك بدفاع من تبجيل الالتزام الثوري «الجمهوري» الأميركي كما عبر عنه إعلان الاستقلال. وهو تقليد يعود إلى حملة توماس جيفرسون كي يقنع الرئيس جون آدامز، كي يدعم الثورة الفرنسية. وهو الروح التي دفعت المطالبين بإلغاء العبودية إلى إرسال أسلحة إلى ولاية كانساس كي تتصدى للعبودية قبل نشوب الحرب الأهلية. إنه المبدأ الذي حرك الرئيس فرانكلين روزفيلت في حربه ضد الفاشية، والذي حرك حملة الرئيس رونالد ريجان في حربه ضد الشيوعية.
وهذا أيضاً ما حرك «ماكين» في نهاية تسعينيات القرن الماضي عقب انحلال الاتحاد السوفييتي، حين طالب مع كثيرين من أفراد حزبه للتدخل في البلقان لوقف التطهير العرقي هناك. ففي خطبة لماكين في عام 1999 حدد فيها نهجه في هذا التوجه العالمي الجديد لحقبة ما بعد الحرب الباردة رفض السيناتور «الجمهوري» ما أسماه «الانقسام الزائف بين السياسات التي يراد بها حماية مصالحنا الأمنية والسياسات التي يراد بها دعم قيمنا السياسة».
وبعد ذلك بعام فحسب، فاز بالطبع جورج بوش الابن بترشيح الحزب «الجمهوري» لخوض الانتخابات الرئاسية، لأنه كان يتمتع برؤية أكثر حذراً بكثير. فقد صرحت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي لبوش الابن في مؤتمر للحزب «الجمهوري» عام 2000 قائلة: «القوات المسلحة الأميركية ليست قوات الشرطة العالمية. إنها ليست شرطة نجدة العالم». لكن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، اقترب بوش من رؤية «ماكين»، فقد كانت خطبة ولايته الثانية بمثابة تكريم لهذا الرجل حين قال «استمرار الحرية على أراضينا تعتمد بشكل متزايد على نجاح الحرية في الأراضي الأخرى». وجاءت هذه الكلمة في أعقاب غزو العراق.

ودعم «ماكين» الغزو لكن ليس على طول الخط. فقد اعترض على إدارة بوش في وقت مبكر مطالباً باتباع استراتيجية جديدة وإقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. فقد أدرك «ماكين» أن أميركا سيتعين عليها أن تبقى في العراق لفترة طويلة وأن استراتيجيتها يتعين عليها أن تتصدى جدياً لتمرد تم تجاهله في السنوات الأولى من الحرب. وفي كتابه الأخير الذي نُشر هذا العام، أقر «ماكين» أنه أخطأ في تصويته على حرب العراق، لأن النظام الحاكم هناك لم يكن ينتج أسلحة دمار شامل. لكنه لم يكن يعتبر الحرب جريمة أو وصمة لا يمكن إزالتها من سمعة الولايات المتحدة.
فقد ذكر «ماكين» في كتابه أن الحملة للتخلص من صدام حسين ونظامه المستبد كانت «قضية عادلة». صحيح أنه لم يكن دوماً على صواب، لكن «ماكين» لم يفقد إيمانه قط بالتزام أميركا لجعل العالم أكثر حرية. وعاش هذا الإيمان ليتصدى للطغيان على امتداد العالم. وكل من يؤمن بهذه القضية المقدسة سيفتقده.
*كاتب أميركي متخصص في شؤون الأمن القومي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»