يعتبر قطاع الرعاية الصحية من أكبر القطاعات الاقتصادية الخدمية حجماً، إن لم يكن أكبرها على الإطلاق. هذه الحقيقة تتضح من حجم ما تنفقه دول العالم على ما تقدمه من رعاية صحية لأفراد شعوبها، سواء من منظور نسبة حجم الإنفاق إلى مجمل الناتج القومي الاقتصادي، أو باحتساب حجم الإنفاق بالدولار. فعلى سبيل المثال، تنفق الولايات المتحدة 17.8 في المئة من مجمل ناتجها الاقتصادي السنوي على الرعاية الصحية، وهو ما يترجم إلى 3.2 تريليون دولار (12 ألف مليار درهم تقريباً). وعلى المنوال نفسه، تنفق هولندا 11.9 في المئة من مجمل ناتجها الاقتصادي السنوي على قطاع الرعاية الصحية، وتنفق فرنسا 11.6 في المئة، وألمانيا 11.3 في المئة، وكندا 11.2 في المئة، وسويسرا 11 في المئة، وهلم جرا. وهو ما يعني أنه في هذه الدول، يتم توجيه أكثر من 10 في المئة من إنتاجية الفرد اليومية، والشهرية، والسنوية، نحو قطاع الرعاية الصحية. هذا النشاط الاقتصادي الهائل، مثله مثل النشاطات الاقتصادية الأخرى، ينتج عنه كم هائل من النفايات، تقدر بملايين الأطنان يومياً. ورغم أن 85 في المئة من نفايات قطاع الرعاية الصحية هي قمامة عادية، لا تشكل خطراً، إلا أن الـ15 في المئة الباقية هي نفايات خطرة، قد تكون معدية، أو سامة، أو مشعة.
فعلى سبيل المثال، يستخدم العالم سنوياً حوالي 16 مليار حقنة، لكن لا يتم التخلص من جزء كبير منها بالطريقة السليمة. وهو ما يجعل من الضروري تفعيل وتطبيق الإجراءات والتدابير الأساسية لإدارة نفايات قطاع الرعاية الصحية بشكل سليم، لتجنب الآثار الصحية والبيئية السلبية، بما في ذلك تسرب المواد الكيميائية والبيولوجية الخطرة، أو الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية، وتحقيق الوقاية والحماية للمرضى، وللعاملين بقطاع الرعاية الصحية، وأفراد المجتمع عموماً.
وبخلاف القمامة العادية غير الخطرة، يمكن تقسيم نفايات قطاع الرعاية الصحية الخطرة إلى سبعة أقسام رئيسية. القسم الأول هو النفايات المعدية، ويشمل سوائل الجسم مثل الدم وغيره، ومزارع البكتيريا والجراثيم التي تستخدم في تشخيص العدوى، وأحياناً جراثيم وميكروبات تنتج من المعامل والمختبرات، أو نفايات ملوثة من وسائل ومعدات طبية استخدمت من قبل مرضى مصابين بأمراض معدية. القسم الثاني هو ما يعرف بالنفايات الباثولوجية، والتي تتضمن الأنسجة والأعضاء البشرية، أو سوائل الجسم، وأحياناً أجزاء من حيوانات تم استخدامها مثلا في التجارب والاختبارات المعملية. القسم الثالث هو ما يعرف بالنفايات الحادة، ويتضمن الحقن، والإبر، والمشارط الجراحية، وغيرها من أدوات الجراحة والمعدات الطبية الحادة المصممة للاستخدام مرة واحدة فقط. القسم الرابع هو النفايات الكيميائية، مثل المحاليل والمذيبات والكواشف الكيميائية التي تستخدم في النشاطات المعملية، بالإضافة إلى المطهرات، والمعقمات، والعناصر الكيميائية الثقلية المستخدمة في تصنيع الأجهزة والمعدات الطبية –الزئبق في مقياس الحرارة مثلا- والبطاريات الكيميائية. ويشمل القسم الخامس النفايات الصيدلانية، مثل الأدوية، والعقاقير الطبية، والتطعيمات الطبية، سواء أكانت منتهية الصلاحية، أم فاسدة، أم لم يتم استخدام عبواتها بالكامل. ويتضمن القسم السادس المواد المسرطنة أو تلك القادرة على إحداث ضرر في التركيبة الجينية للخلايا، مثل العقاقير التي تستخدم لعلاج الأمراض السرطانية. أما الجزء السابع والأخير فيشمل النفايات المشعة، والتي تستخدم لأغراض تشخيصية أو أغراض علاجية.
وأحياناً ما يكون التخلص من النفايات الطبية الخطرة عن طريق الحرق في مكان مفتوح، مصدراً للخطر في حد ذاته. حيث غالباً ما ينتج عن هذا الأسلوب مواد خطرة مثل «الديوكسينات» أو «الفوران» أو الجزيئات العالقة.. وهي كلها مركبات تتسبب في آثار صحية سلبية.
وأمام هذا التنوع الواسع لأشكال وأنواع النفايات الطبية الخطرة، والتقديرات التي تشير إلى أن كل سرير في المستشفيات ينتج يومياً حوالي نصف كيلوجرام من النفايات الطبية الخطرة، يمكن بسهولة إدراك حجم الخطر الذي تشكله هذه النفيات على الصحة العامة، إن لم يتم التعامل معها بشكل منهجي وطرق صحيحة، تأخذ في الاعتبار تنوعها الهائل في الشكل وفي خصوصية الخطر الذي يحملها كل من أقسامها في طياته. ولذا، تعمد غالبية دول العالم، أو على الأقل المتطور والمتقدم منها، إلى إصدار التشريعات والقوانين التي تنظم طريقة التعامل مع النفايات الطبية بجميع أنواعها وأقسامها، وسبل التخلص منها بالشكل الذي لا يجعلها خطراً على الصحة العامة لأفراد المجتمع.