الرئيس ترامب وضع الولايات المتحدة في كفة، والمجتمع الدولي كله في كفة ثانية. فعلى قاعدة «أميركا أولاً» تأسست مواقف الرئيس ترامب السلبية من العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية، ومنها: حلف شمال الأطلسي الاتحاد الأوروبي معاهدة باريس حول البيئة معاهدة نافتا (العلاقات التجارية الأميركية مع المكسيك وكندا) وسواها. لقد أدرك العالم أن «الترامبية» ليست مجرد سياسة عابرة. إنها الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة حتى إشعار آخر. ومن هنا بدأت الدول الكبرى تعيد النظر في علاقاتها على أساس هذا الواقع الجديد. وثبت أن «أميركا أولاً» ليس مجرد شعار انتخابي ترويجي، ولكنه مبدأ سياسي تقوم عليه السياسة الأميركية في علاقاتها مع العالم.
انطلاقاً من هذا الإدراك قامت حركات سياسية – اقتصادية دولية جديدة للتعامل مع الواقع الجديد. أما هذه الحركات أو المنظمات الجديدة فهي التالية: منظمة «الديموقراطيون العشرة»، ويُرمز إليها بـ D10. وتضم مفكرين سياسيين واستراتيجيين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، وكذلك الولايات المتحدة ذاتها. وستعقد هذه المنظمة اجتماعها المقبل في سيول –كوريا الجنوبية- هذا الشهر. أما موضوع البحث فهو: الدور العالمي الجديد للولايات المتحدة، وخطره على النظام العالمي، الذي استقرت عليه الأمور منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. لقد وصف الرئيس ترامب أوروبا ب«العدو». وردّ عليه رئيس الاتحاد الأوروبي بالقول: «مع صديق من هذا النوع.. لا نحتاج إلى أعداء». منظمة مبادرة النظام الديموقراطي: انطلقت هذه المنظمة من برلين في شهر يونيو الماضي، وتضم مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وستيفن هادلي المستشار الأمني للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وكارل بيلد رئيس حكومة السويد السابق ويوريكو كاواجوشي وزير خارجية اليابان السابق. وأعلنت أن مهمتها العمل على نطاق دولي مع الحكومات والبرلمانات ومنظمات المجتمع المدني من أجل توعية الرأي العام إلى المخاطر التي تمثلها المتغيرات اللاديموقراطية التي تنسف قواعد النظام العالمي الراهن.
منظمة التحالف الديمقراطي، وهدفها تعزيز قواعد الديمقراطية في العالم. ويقودها الأمين العام السابق لمنظمة حلف شمال الأطلسي أندرس راسموسن والذي شغل منصب رئيس حكومة الدانمرك قبل ذلك. وقد عقدت هذه المنظمة مؤتمراً في شهر يونيو الماضي في العاصمة الدانمركية. ويقول راسموسن:" إن مستقبل الإنسانية متوقف على القدرة على مقاومة الانحرافات عن مبادئ الديمقراطية».
«منتدى باريس للسلام»، الذي أطلقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقد دُعي المؤتمر لعقد اجتماعه المقبل في منتصف شهر نوفمبر 2018 في باريس ويضم ممثلين عن الحكومات ومنظمات المجتمع المدني لبحث القضايا العالمية في ضوء المتغيرات الترامبية الجديد. وهذه مبادرة تتوجه ضد الشعبوية الأميركية والأوروبية معاً. وتسعى إلى الإبقاء على التفاهمات الدولية بمعزل عن الانكفاء الأميركي.

التفاهم الأسترالي– الياباني الجديد الذي تراوح بين العمل العسكري الدفاعي والتبادل التجاري، بمعزل عن الولايات المتحدة. وهو أول عمل في هذا المستوى تقوم به حليفتا الولايات المتحدة في شرق آسيا، من وراء ظهرها، أو على الأقل من دون مشاركتها. وكانت اليابان قد وقّعت مع الاتحاد الأوروبي على اتفاقية تقضي بإلغاء معظم الرسوم الجمركية على البضائع المتبادلة، مما يعني قيام أكبر منطقة من الاقتصاد الحر في العالم تضم 600 مليون إنسان وتشكل اقتصادياً ثلث الدخل العالمي. مبادرة التدخل الأوروبي التي وقّعت عليها تسع دول في شهر يونيو الماضي، بما فيها بريطانيا وألمانيا. وبموجب ذلك تتعهد الدول الموقعة على المبادرة التدخل العسكري المشترك والمنسق لمواجهة الأزمات.. وحتى من دون المشاركة الأميركية.
إنشاء «مجموعة ليما» بين كندا و16 دولة من دول أميركا الجنوبية، في ردّ مباشر على إلغاء الرئيس ترامب معاهدة النافتا من جهة، وموقفه التشهيري من دول أميركا اللاتينية باعتبارها مصدراً للمهاجرين.. وتالياً للمتاعب في الداخل الأميركي.
فمع التراجع الأميركي الذي وصل إلى حد الانكفاء، فإن العالم (أين العالم العربي؟) يعيد ترتيب أموره بمعزل عن إدارة ترامب، ما أعطى مجموعة «البركسيت» المؤلفة من روسيا والصين والهند والبرازيل والصين وجنوب أفريقيا دوراً في بلورة النظام العالمي الجديد ما كانت تتوقعه من قبل. يبقى السؤال: هل تنجح هذه المبادرات؟ وهل يمكن قيام نظام عالمي جديد بمعزل عن الولايات المتحدة؟