يوم الجمعة الماضي، أعلنت إدارة ترامب أنها ستتوقف عن تمويل «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» («الأنروا»)، التي أُنشئت عام 1949 لإعالة أكثر من 700 ألف فلسطيني هجِّروا من منازلهم في فلسطين. وكان تفويض الأنروا، التي تعتمد على مانحين متطوعين –كانت واشنطن من أهمهم– يجدَّد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل متكرر مع امتداد عمر النزاع. وعلى مدى العقود، تضخّم عدد اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وما بات مخيمات شبه دائمة الآن في الأردن وسوريا ولبنان، وارتفع إلى نحو 5 ملايين لاجئ، بمن فيهم أبناء وأحفاد المهجّرين الأصليين.
ويحاجج البيت الأبيض، إلى جانب اليمين الإسرائيلي، بأن قوائم اللاجئين المعترف بهم ينبغي أن تقتصر على أولئك الذين كانوا على قيد الحياة في 1949، وهي خطوة تتعارض مع عمليات أخرى للأمم المتحدة تمنح وضع لاجئ لأبناء وحفدة النازحين أيضاً. ففي مؤتمر في واشنطن الأسبوع الماضي، عبّرت مبعوثة ترامب إلى الأمم المتحدة نيكي هالين عن أسفها لكون «عدد لا نهاية له من اللاجئين مازالوا يحصلون على المساعدات»، فيما «يواصل الفلسطينيون انتقاد أميركا».
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وساسة إسرائيليون آخرون كثر، عبّروا عن ترحيبهم بالقرار. وفي هذا الأثناء، يسعى مسؤولو «الأونروا» لجمع التمويل من الاتحاد الأوروبي وبلدان عربية، مشددين على أن مهمتهم ضرورية إلى حين التوصل لسلام حقيقي.
لكن الخطوة ضد «الأونروا» ليست سوى أحدث ضربة يوجهّها ترامب للفلسطينيين. إذ تأتي بعد خفض أميركا لمساعدات التنمية التي كانت تمنحها للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى قرار الإدارة الأميركية العام الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والذي مثّل رفضاً لمطالبات الفلسطينيين بالقدس الشرقية عاصمةً مقبلة لهم.
هذا الأمر يمكن أن تكون له تداعيات كارثية على المدى القصير بالنسبة للفلسطينيين الذين يعتمدون على مساعدات الأونروا. ويذكر هنا أن خطوة ترامب فاجأت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي تخشى أزمة إنسانية. وهي تخوفات يتقاسمها معها كثيرون في واشنطن.
وفي هذا السياق، غرّدت السيناتورة الديمقراطية «دايان فاينشتاين» على تويتر قائلة: «إن تفقير الفلسطينيين أكثر لا يؤدي إلا إلى تقوية المتطرفين، وإضعاف السلطة الفلسطينية، والإضرار بأمن إسرائيل. والقطع الكامل للتمويل عن الأونروا عمل غير إنساني ويقوّض مصالحنا في المنطقة».
لكن ثمة مخاطر على المدى الطويل بالنسبة لإسرائيل أيضاً. فقد تبنى نتنياهو قوميةً أكثر تشدداً، حيث أتى بقانون مثير للجدل حول الهوية الوطنية يُضعف حقوق الأقليات. وخارجياً، أخذ يغازل بعض الزعماءَ السلطويين المستعدين لدعم إسرائيل في المحافل الدولية– رغم أن لديهم سجلا في معاداة السامية. كما أنه يسعى جاهداً إلى تحويل التركيز من السلام مع الفلسطينيين إلى التهديد الذي تطرحه إيران. كل هذا جعل نتنياهو يهيمن على المشهد السياسي الإسرائيلي، لكنه أجج غضباً متزايداً في الخارج. فبينما يهيل ترامب ونتنياهو مزيداً من التراب على نعش «حل الدولتين»، أصبح التشبيه بجنوب أفريقيا في عهد الآبارتايد أكثر انتشاراً. وأصبحت «حركة مقاطعة إسرائيل بي دي إس»، التي تحث الحكومات والشركات الأجنبية على مقاطعة إسرائيل طالما أبقت على احتلالها للفلسطينيين، عاملًا مهماً على نحو متزايد في معادلة السلام. وبينما يخفت دعم كلا الحزبين في الولايات المتحدة لإسرائيل، تترك مواقفُ الجناح اليميني بزعامة نتنياهو إسرائيلَ أكثر عرضةً للانتقاد.
وفي هذا السياق، يقول الخبير في السياسة الإسرائيلية الفلسطينية ناثان ثرال في مقال نشره بصحيفة «ذا غارديان» البريطانية: «إن التحالف بين حلفاء إسرائيل والقوميين المتشددين في أوروبا والولايات المتحدة أضحى موضوعاً مركزياً في رسائل حملة مقاطعة إسرائيل. وفي هذا الصدد، فإن عهد ترامب كان جيداً بالنسبة للحركة»، مضيفاً: «وكذلك الحال بالنسبة لحكومة نتنياهو، التي شكّلت هجماتها على (حركة مقاطعة إسرائيل بي دي إحدى أهم وسائل الدعاية والتجنيد بالنسبة للحملة».

*محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»