قبل إنشاء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي منذ خمسة وعشرين عاماً تقريباً، لم تكن المفاهيم المعرفيّة ذات الطابع البحثي، من مثل: الاستراتيجية، واستشراف المستقبل، ودعم صانع القرار، متداولة على نطاق واسع في الوطن العربي، بل إنه في ساحاتنا العربية بلغت العقول الشّح لإنتاج تلك المفاهيم ضمن الدراسات الإمبريقية، أما تطبيقاتها العملية، فقد كانت أملاً يرتجى، ويُجْهَلُ متى يتحقق أو يحلّ غده، وبعد قيام المركز تغيّر مسار المعرفة والأبحاث، وبفضله تمَّ إلغاء الحواجز الفاصلة بين النُّخْبة باعتبارها مُنْتِجة للمعرفة، والمجتمعات العربية، خاصة في الإمارات، كونها المصب للمعرفة لجهة القبول أو الرفض، التفاعل الإيجابي أو النفور السلبي، تصحيح الوعي أو تزييفه، وباختصار بعد سنوات من ظهور المركز تغير هدف الدراسات والبحوث، مثلما تغير مسارها، وتحققت نجاحات حقيقية يَحِقُّ للمركز أن يعلنَها، وللإمارات أن تَفْخَر بها، وللعرب أن يستعينوا بها في أيام الظُّلم والظَّلام، وللعالم أن يتجاوب معها.. هنا يطرح السؤال الآتي: ما السِّرُّ في نجاح مركز الإمارات؟
اعتقد أن السؤال السابق مطروحٌ من عدة جهات وأطراف، خاصة المراكز البحثية الجديدة في الإمارات، وفي عدد من الدول العربية أيْضاً، وإجابة السؤال ليست بمعزل عن استراتيجية الإمارات وتوجهاتها بدعم من القيادة الرشيدة، ومن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس المركز، إضافة إلى جهود الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي مدير عام المركز، الذي لم يدَّخر جهداً في سبيل تطوير المركز، ودفعه لتحقيق أهدافه.
الأفكار التغييرية الكبرى لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، منها بالطبع إنشاء هذا المركز، الذي يُمثِّل مدخلاً للتسامح، حيث أنْتَجَه سُمُوّه فكراً وتبنَّاه فعلاً، ووفر له الفضاء المناسب، والدعم المتواصل، وهكذا كان المركز ولا يزال وسيبقى إحدى الأفكار الكبرى الإيجابية لدى سموه، ففي ساحته حَضَر وحَاضَر، وعَبَّر عدد من زعماء العالم، من ملوك ورؤساء وعسكريين ومدنيين، ومفكرين وكتاب وأكاديميين وباحثين من مختلف الجنسيات والثقافات والمجتمعات واللغات، من القارات الخمس، حيث لم يَحُلْ الاختلاف في المِلل والنّحل عن الحضور والمشاركة.
في مارس المقبل، سيحتفل المركز بيوبيله الفضي، وذلك بعد أن عايش وتابع وقدّم قراءاته لمعظم الأحداث الكبرى، وكان لمديره العام جمال سند السويدي دوره الفاعل، أوّلاً: في تعبيره الدائم المصحوب بالشكر لما قدمه الشيخ محمد بن زايد للمركز باعتباره المنتج للفكرة، وللمشروع، والداعم بلا حدود، وثانياً: في عطاء السويدي الفكري المُتميِّز واستشرافه للأحداث.. لِنَعُد لما كَتَبه منذ سنوات حول اليمن، وإيران، وأمن الخليج، والدور الأميركي في المنطقة، وجماعات الإسلام السياسي، وجماعات العنف والإرهاب، ونقارنه بما يحدث الآن، سندرك إلى أيّ مدى يعتبر السّويدي مفكراً صاحب رؤية استشرافية، وثالثاً: في سَهَرِهِ على المركز، فكراً وفضاءً وإنتاجاً في مختلف المجالات، ورابعاً: في جهاده المتواصل في السراء والضراء، وفي الصحة والمرض، وفي تغير الأحوال وثباتها.. لقد مثل في كل ذلك أنموذجاً لأنه ينطلق من قاعدة الالتزام تجاه الله والضمير والوطن والقائد، تلك القاعدة التي زرعها في من حوله، كما ذهب إلى ذلك نائب مدير المركز لشؤون البحث العلمي جاسم الحوسني، وذلك الالتزام آتٍ من مدرسة زايد، وما المركز إلا شجرة سامقة ستستمر نحو العُلا ما دامت التربة صالحة، وتُسْقَى كل حين من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ليظل مركز الإمارات للدراسات يُعبّر حقاًّ عن مركز الإمارات في العالم على مستوى القُوَّة النَّاعِمَة.